للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

السابع: أن الأحاديث إذا اختلفت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه ينظر إلى ما عمل به أصحابه من بعده، وقد تقدم ذكر عمل الخلفاء الراشدين وأهلهم وغيرهم من الصحابة بالمزارعة.

الثامن: أن الذي في حديث رافع إنما هو النهي عن كرائها بالثلث أو الربع، لا عن المزارعة، وليس هذا بمخالف لجواز المزارعة، فإن الإجارة شيء والمزارعة شيء؛ فالمزارعة من جنس الشركة يستويان في الغُنْم والغُرْم، فهي كالمضاربة بخلاف الإجارة، فإن المؤجِّر على يقين من المغنم وهو الأجرة، والمستأجرَ على رجاء.

ولهذا كان أحدُ القولين للمجوِّزين المزارعةَ: إنها أحلُّ من الإجارة وأولى بالجواز، لأنهما على سواءٍ في الغُنم والغُرم (١)، فهي أقرب إلى العدل. فإذا استأجرها بثلثٍ أو ربعٍ كانت هذه إجارة لازمة، وذلك لا يجوز، ولكن المنصوص عن الإمام أحمد جواز ذلك.

واختلف أصحابه على ثلاثة أقوال في نصه (٢)، فقالت طائفة: يصح ذلك بلفظ المؤاجرة ويكون مزارعة، فيصحُ بلفظ الإجارة كما يصح بلفظ المزارعة. قالوا: والعبرة في العقود بمعانيها وحقائقها لا بصيغها وألفاظها. قالوا: فتصحّ مزارعةً، ولا تصحّ إجارة. وهذه طريقة الشيخ أبي محمد.

الثاني: أنها لا تصح إجارةً ولا مزارعة. أما الإجارة، فلأن من شرطها كونَ العوض فيها معلومًا متميزًا معروف الجنس والقدر، وهذا منتفٍ في


(١) (هـ): «المغنم والمغرم».
(٢) انظر: «الإنصاف» (١٤/ ١٨٨).