الثلث والربع. وأما المزارعة، فلأنهما لم يعقدا عقد مزارعة، إنما عقدا عقد إجارة. وهذه طريقة أبي الخطاب.
الثالث: أنها تصحّ [ق ١٨٩] مؤاجرةً ومزارعةً، وهي طريقة القاضي وأكثر أصحابه.
فحديث رافع إما أن يكون النهي فيه عن الإجارة دون المزارعة، أو عن المزارعة التي كانوا يعتادونها، وهي التي فسّرها في حديثه.
وأما المزارعة التي فعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه وخلفاؤه من بعده فلم يتناولها النهي بحال.
التاسع: أن ما في المزارعة من الحاجة إليها، والمصلحة، وقيام أمر الناس، يمنع من تحريمها والنهي عنها، لأن أصحاب الأرض كثيرًا ما يعجِزون عن زرعها ولا يقدرون عليه، والعُمّالُ والأَكَرة يحتاجون إلى الزرع ولا أرضَ لهم، ولا قِوام لهؤلاء ولا لهؤلاء إلا بالزرع، فكان من حِكمة الشارع (١)، ورحمته بالأمة، وشفقته عليها، ونظره لهم= أن جوّز لهذا أن يدفع أرضه لمن يعمل عليها، ويشتركان في الزرع؛ هذا بعمله وهذا بمنفعة أرضه، وما رزقه الله فهو بينهما، وهذا في غاية العدل والحكمة والرحمة والمصلحة.
وما كان هكذا فإن الشارع لا يحرّمه ولا ينهى عنه، لعموم مصلحته وشدة الحاجة إليه، كما في المضاربة والمساقاة، بل الحاجة في المزارعة آكد منها في المضاربة، لشدة الحاجة إلى الزرع إذ هو القوت، والأرض لا
(١) في الأصل والطبعتين: «الشرع»، والكلام الآتي يقتضي ما أثبته.