للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يُنتفَع بها إلا بالعمل عليها، بخلاف المال.

فإن قيل: فالشارع نهى عنها مع هذه المنفعة التي فيها، ولهذا قال رافع: نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمر كان لنا نافعًا.

فالجواب: أن الشارع لا ينهى عن المنافع والمصالح، وإنما ينهى عن المفاسد والمضارّ، وهم ظنوا أن ذلك المنهيَّ عنه منفعةٌ، وإنما هو مضرة ومفسدة مقتضية للنهي. وما تخيَّلُوه من المنفعة فهي منفعة جُزْوِيّة (١) لرب الأرض لاختصاصه بخيار الزرع، وما سَعِد منه بالماء، وما على أقبال الجداول، فهذا وإن كانت منفعة له، فهو مضرّة على المزارع، فهو من جنس منفعة المُرْبي (٢) بما يأخذه من الزيادة، وإن كان مضرةً على الآخر؛ والشارع لا يبيح منفعة هذا بمضرة أخيه.

فجواب رافع (٣): أن هذا وإن كان منفعةً لكم، فهو مضرة على إخوانكم، فلهذا نهاكم عنه. وأما المزارعة العادلة التي يستوي فيها العامل ورب الأرض فهي منفعة لهما، ولا مضرة فيها على أحد، فلم ينه عنها.

فالذي نهى عنه مشتمل على مضرة ومفسدة راجحة في ضِمنها منفعةٌ مرجوحة جُزويّة، والذي فعله وأصحابه من بعده (٤) مصلحةٌ ومنفعة راجحة، لا مضرة فيها على واحد منهما، فالتسوية بين هذا وهذا تسوية بين متباينين لا


(١) في الطبعتين: «جزئية» خلافًا للأصل، والجُزْو لغةٌ في الجزءِ.
(٢) (هـ): «المُرابي».
(٣) يعني: الجواب عن قوله: «نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمرٍ كان لنا نافعًا».
(٤) الأصل: «هذه»، ولعل المثبت من (هـ) هو الصواب.