قالت: دخلت على عائشة في نسوة فقالت [ما] حاجتكن؟ فكان أول من سألها أم مُحبّة، فقالت: يا أم المؤمنين هل تعرفين زيد بن أرقم؟ قالت نعم. قالت: فإني بعته جاريةً لي بثمانمائة درهم إلى العطاء، وإنه أراد أن يبيعها فابتعتُها بستمائة درهم نقدًا. فأقبلتْ عليها وهي غضبى، فقالت: بئسما شَرَيتِ وبئسما اشتريتِ، أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أن يتوب. وأُفحِمتْ صاحبتنا فلم تتكلم طويلًا، ثم إنه سهل عنها فقالت: يا أم المؤمنين أرأيتِ إن لم آخذ إلا رأس مالي؟ فتلَتْ عليها:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}[البقرة: ٢٧٥].
فلولا أن عند أم المؤمنين علمًا لا تستريب فيه أن هذا محرَّم لم تستجز (١) أن تقول مثل هذا بالاجتهاد، ولا سيما إن كانت قد قصدت أن العمل يَحبَط بالردة، وأن استحلال الربا كفرٌ، وهذا منه، ولكن زيدٌ معذور لأنه لم يعلم أن هذا مُحرَّم، ولهذا قالت:«أبلغيه».
ويحتمل أن تكون قصدت أن هذا من الكبائر التي يقاوم إثمُها ثوابَ الجهاد فيصير بمنزلة من عمل حسنةً وسيئةً بقدرها، فكأنه لم يعمل شيئًا.
وعلى التقديرين فجزمُ أم المؤمنين بهذا دليل على أنه لا يسوغ فيه الاجتهاد، ولو كانت هذه من مسائل الاجتهاد [ق ١٨٣] والنزاعِ بين الصحابة لم تُطلِق عائشة على زيد ذلك، فإن الحسناتِ لا تَبطُل بمسائل الاجتهاد.
ولا يقال: فزيد من الصحابة وقد خالفها؛ لأن زيدًا لم يقل: هذا حلال،
(١) في الأصل و (هـ) وط. المعارف: «تستحسن»، ولعل المُثبت من ط. الفقي هو الصواب لموافقته ما في «بيان الدليل» (ص ٧٨) والمؤلف صادر عنه.