البول فيه, لِمَا ذكرنا من إفضائه إلى تلوثه بالبول, كما ذكرنا عنه التعليلَ بنظيره, فاستعملنا السننَ على وجوهها.
وهذا أولى من حَمْل حديث بئر بُضاعة على أنه كان أكثر من قُلّتين؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعلل بذلك, ولا أشار إليه, ولا دلّ كلامه عليه بوجه. وإنما علل بطهورية الماء, وهذه عِلّة مُطَّردة في كلّ ماء، قلّ أو كثر. ولا يَرِدُ المتغيِّر؛ لأن ظهور النجاسة فيه يدلّ على تنجّسه بها, فلا يدخل في الحديث, على أنه محل وفاق فلا يُناقض به.
وأيضًا: فلو أراد - صلى الله عليه وسلم - النهي عن استعمال الماء الدائم اليسير إذا وقعت فيه أيُّ نجاسةٍ كانت، لأتى بلفظٍ يدلّ عليه. ونهيه عن الغسل فيه بعد البول لا يدلّ على مقدارٍ ولا تنجيس, فلا يُحمَّل ما لا يحتمله.
ثم إنّ كل مَن قَدَّر الماءَ المتنجِّس بقَدْرٍ خالف [ق ١٦] ظاهر الحديث (١)، فأصحاب الحركة خالفوه بأن قدَّروه بما لا يتحرَّك طرفاه, وأصحاب النزح خصّوه بما لا يمكن نزحُه, وأصحاب القلتين خصّوه بمقدار القلتين.
وأسعد الناس بالحديث مَن حَمَله على ظاهره ولم يخصّه ولم يقيّده, بل إن كان تواتر الأبوال فيه يفضي إلى إفساده منع من جوازهما, وإلا منع من اغتساله في موضع بوله كالبحر, ولم يمنع من بوله في مكان واغتساله في غيره.
وكلّ من استدلّ بظاهر هذا الحديث على نجاسة الماء الدائم لوقوع النجاسة فيه، فقد ترك مِن ظاهر الحديث ما هو أَبْيَن دلالة مما قال به, وقال بشيءٍ لا يدلّ عليه لفظ الحديث؛ لأنه إن عمَّم النهيَ في كلِّ ماءٍ بطل
(١) يعني: حديث النهي عن البول في الماء الدائم ثم الاغتسال فيه.