للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحديث: "فإنّ عامّة الوَسْواس منه" (١). حتى (٢) لو كان المكان مبلّطًا لا تستقر فيه البولة, بل تذهب مع الماء، لم يكره ذلك عند جمهور الفقهاء.

ونظيرُ هذا: منع البائل أن يستجمر أو يستنجي موضع بوله, لما يفضي إليه من التلوث بالبول.

ولم يُرِد النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بنهيه الإخبارَ عن نجاسة الماء الدائم بالبول, فلا يجوز تعليل كلامه بعلة عامة تتناول ما لم ينه عنه.

والذي يدلّ على ذلك: أنه قيل له في بئر بُضاعة: أنتوضأ منها وهي بئر يُلقى فيها الحِيَض ولحوم الكلاب وعَذِر الناس؟ فقال: "الماء طهور لا ينجّسه شيء" (٣). فهذا نصّ صحيح صريح على أن الماء لا يَنجُس بملاقاة النجاسة, مع كونه واقفًا, فإن بئر بُضاعة كانت واقفة, ولم يكن على عهده بالمدينة ماء جارٍ أصلًا. فلا يجوز تحريم ما أباحه وفَعَله قياسًا على ما نَهى عنه, ويُعارَضَ أحدهما بالآخر, بل يستعمل هذا وهذا؛ هذا (٤) في موضعه, وهذا في موضعه. ولا تُضرب سنةُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضها ببعض.

فوضوؤه من بئر بضاعة ــ وحالُها ما ذكروه له ــ دليلٌ على أن الماء لا يتنجَّس بوقوع النجاسة فيه ما لم يتغيَّر. ونهيُه عن الغسل في الماء الدائم بعد


(١) أخرجه أبو داود (٢٧)، والترمذي (٢١)، والنسائي (٣٦)، وابن ماجه (٣٠٤)، وأحمد (٢٠٥٦٩) وغيرهم من حديث عبد الله بن مغفّل. قال الترمذي: حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الأشعث بن عبد الله، وصححه ابن حبان والحاكم، إلا أن قوله: "فإن عامة الوسواس منه" موقوف لا يصح رفعه.
(٢) كذا في الأصل، والسياق يقتضي: "لكن".
(٣) تقدم تخريجه.
(٤) عليها علامة التصحيح في الأصل، لئلا يُظن أن "هذا" مكررة.