للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وافقه منها قَبِلَه, وما خالفه تكلَّفَ له وجوهًا لردّ (١) الجميل, فما أتعبه من شقاء, وما أقلّ فائدته!

ومما يُفْسِد قولَ المحدِّدين بقُلّتين: أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن البول في الماء الدائم ثم يغتسل البائل فيه بعد البول. هكذا لفظ "الصحيحين": "لا يبولنَّ أحدُكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه" (٢). وأنتم تجوِّزون أن يُغتسل في ماءٍ دائمٍ قدر القُلَّتين بعدما بال فيه. وهذا خلافٌ صريح للحديث. فإن منعتم الغسل فيه، نقضتم أصلكم, وإن جَوَّزتموه خالفتم الحديثَ. فإن جَوَّزتم البولَ والغُسل خالفتم الحديث من الوجهين جميعًا.

ولا يقال: فهذا بعينه وارد عليكم، لأنه إذا بال في الماء اليسير ولم يتغيَّر جوَّزتم له الغُسْل فيه؛ لأنا لم نُعلّل النهيَ بالتنجيس, وإنما عللناه بإفضائه إلى التنجيس, كما تقدم, فلا يَرِد علينا هذا.

وأما إذا كان الماء كثيرًا، فبال في ناحيةٍ ثم اغتسل في ناحية أخرى لم يَصِل إليها البول, لم (٣) يدخل في الحديث؛ لأنه لم يغتسل في الماء الذي بال فيه, وإلا لزم إذا بال في ناحية من البحر أن لا يغتسل فيه أبدًا, وهو فاسد.

وأيضًا فالنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الغسل فيه بعد البول, لما يُفْضي إليه من إصابة البول له.

ونظير هذا: نهيه أن يبول الرجل في مستحمِّه. وذلك لما يفضي إليه من تطاير رشاش الماء الذي يصيب البول, فيقع في الوسواس, كما في


(١) ط. الفقي: "بالرد غير الجميل" خلافًا للأصل.
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) في المطبوعتين: "فلا" خلاف الأصل.