ثم هم يخصّونه بالماء الذي لا تبلغ الحركة طرفيه, وأين في الحديث ما يدل على هذا التخصيص؟!
ثم يظهر تناقضهم من وجه آخر، وهو أنه إذا كان الماء رقيقًا جدًّا, وهو منبسط انبساطًا لا تبلغه الحركة: أن يكون طاهرًا ولا يؤثر الولوغ فيه, وإذا كان عميقًا جدًّا وهو متضايق, بحيث تبلغ الحركة طرفيه: أن يكون نجسًا, ولو كان أضعافَ أضعافِ الأول. وهذا تناقض بيِّن لا محيدَ عنه.
قالوا: وإن احتجّ به من يقول بالقلتين فإنه يخصِّصه بما دون القلتين, ويحمل الأمر بغسله وإراقته على هذا المقدار, ومعلومٌ أنه ليس في اللفظ ما يُشْعر بهذا بوجه ولا يدل عليه بواحدة من الدلالات الثلاث.
وإذا كان لا بدَّ لهم من تقييد الحديث، وتخصيصه، ومخالفة ظاهره = كان أسعدُ الناس به من حَمَله على الولوغ المعتاد في الآنية المعتادة التي يمكن إراقتها, وهو ولوغ متتابع في آنية صغار، يتحلل مِن فم الكلب في كلِّ مرة ريق ولعاب نجس يخالط الماء, ولا يخالف لونُه لونَه فيظهرَ فيه التغير, فتكون أعيان النجاسة قائمةً بالماء وإن لم تُرَ, فأمر بإراقته وغسل الإناء.
فهذا المعنى أقرب إلى الحديث وأَلْصَق به, وليس في حَمْله عليه ما يخالف ظاهره، بل الظاهر أنه إنما أراد الآنية المعتادة التي تُتّخذ للاستعمال فيَلَغ فيها الكلاب. فإن كان حمله على هذا موافَقةً للظاهر فهو المقصود. وإن كان مخالفةً للظاهر, فلا ريب أنه أقلّ مخالفة مِن حَمْله على الأقوال المتقدمة. فيكون أولى على التقديرين.
قالوا: وأما حديث النهي عن غمس اليد في الإناء عند القيام من النوم, فالاستدلال به أضعف من هذا كلّه, فإنه ليس في الحديث ما يدل على