انتفاء العلة انتفاء معلولها, ولا يلزم انتفاء الحكم مطلقًا, لجواز ثبوته بوصفٍ آخر.
وإذا ثبت هذا، فمنطوق حديث القُلّتين لا ننازعكم (١) فيه, ومفهومه لا عموم له. فبطل الاحتجاج به منطوقًا ومفهومًا.
وأما قولكم: إنَّ العدد خرج مخرج التحديد والتقييد ــ كنُصُب الزكوات ــ فهذا باطل من وجوه:
أحدُها: أنه لو كان هذا مقدارًا فاصلًا بين الحلال والحرام, والطاهر والنجس, لوجبَ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بيانُه بيانًا عامًّا متتابعًا تعرفه الأمة, كما بيَّن نُصُب الزكوات, وعدد الجَلْد في الحدود, ومقدار ما يستحقّه الوارث, فإن هذا أمر يعمّ الابتلاء به كلَّ الأمة. فكيف لا يبينه حتى يتفق سؤالُ سائلٍ له عن قضية جُزئية فيجيبه بهذا, ويكون ذلك حدًّا عامًّا للأمة كلها لا يسع أحدًا جهله, ولا تتناقله الأمة, ولا يكون شائعًا بينهم, بل يُحالون فيه على مفهوم ضعيف, شأنه ما ذكرناه, قد خالفَتْه العموماتُ والأدلةُ الكثيرة, ولا يعرفه أهل بلدته, ولا أحد منهم يذهب إليه؟
الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قال: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ} [التوبة: ١١٥] وقال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] فلو كان الماء الذي لم يتغيّر بالنجاسة [ق ١٨] منه ما هو حلال ومنه ما هو حرام, لم يكن في هذا الحديث بيان للأمة ما يتقون, ولا كان قد فَصَّل لهم ما حَرَّم عليهم. فإن المنطوقَ من حديث القُلّتين
(١) الأصل: "لا يثار علم" تحريف.