وأما أيوب فاطلع على زيادة علمٍ لم يذكروها ولا نفوها، وإنما أدَّوا لفظ نافع كما سمعوه يسوق الحديث سياقة واحدة فأدوا ما حفظوه، وأيوب اطلع على تفصيلٍ وتمييزٍ في الحديث، فكلهم صادق في روايته، والحكم لمن فصّل وميّز. وهذا الشك منه هو عين الحفظ، فإنه سمع كما سمعه الجماعة وفصّل الزيادة وميّزها، فقال:«أكبر ظني أنه شيء كان يقوله نافع برأيه»، وسمعه مرة أو مرارًا يذكره متصلًا بالحديث، فشك هل هو من قوله أو من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -؟
وإنما يفيد تقديمُ عبيد الله ومالك عليه في الحفظ أن لو خالفهم، فإذا أدّى ما أدَّوه وروى ما رووه بعينه واطلع على زيادة لم يذكروها، كان الأخذ بروايته أولى، لأنهم لم يقولوا: قال نافع: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وإلا فقد عتق منه ما عتق»، وإنما أدرجوها في الحديث إدراجًا كما سمعوه، وفصل أيوب هذا الإدراج فحفظ شيئًا لم يحفظوه.
قالوا: وعلى تقدير الجزم بأنها من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تُناقِض حديث الاستسعاء، فإنّ قوله:«وإلا فقد عتق منه ما عتق» معناه: وإن لم يكن لمعتق البعض مال يبلغ ثمن باقيه عَتَق من العبد بإعتاقه القدرُ الذي أعتقه. وأما الجزء الباقي فمسكوت عنه ولم يذكر حكمه، فجاء بيان ذكر حكمه في حديث أبي هريرة، فتضمَّن حديث أبي هريرة ما في منطوق حديث ابن عمر وزيادة بيان ما سكت عنه، ولا تنافي بين الحديثين.
وهذا ظاهر على أحد القولين، لأن باب السعاية أنه لا يَعتِق جميعه بعتق الشريك، وإنما يعتق بعد الأداء بالسعاية بخلاف الجزء الذي قد أعتقه، فإنه قد تنجّز عتقُه، وعِتقُ الجزء الآخر منتظَر موقوف على أداء ما استسعي عليه