للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قصاص، مع أن الجارح قد يشتد عذابُه إذا فُعِل به كما فعل، حتى يُستوفَى منه.

وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رضخ رأس اليهودي كما رضخ رأس الجارية (١)، وهذا القتل قصاص، لأنه لو كان لنقض العهد أو للحراب لكان بالسيف، لا بِرَضْخ (٢) الرأس.

ولهذا كان أصح الأقوال: أنه يُفعل بالجاني مثل ما فعل بالمجنيّ عليه، ما لم يكن محرّمًا لحق الله، كالقتل باللواطة وتجريع الخمر ونحوه؛ فيُحرَّق كما حرَّق، ويُلقَى من شاهق كما فعل، ويخنق كما خنق، لأن هذا أقرب إلى العدل، وحصولِ مسمى القصاص، وإدراك الثأر، والتشفي، والزجرِ المطلوب من القصاص. وهذا مذهب مالك والشافعي، وإحدى الروايات عن أحمد.

قالوا: وأما كون القصاص لا يجب في الجرح حتى ينتهي إلى حد، ولا في الطرف حتى ينتهي إلى مَفصِل، لِتحقُّق المماثلة= فهذا إنما اشتُرط لئلا يزيد المُقتضي (٣) على مقدار الجناية، فيصير الجاني (٤) مظلومًا بذهاب ذلك الجزء، فتعذرت المماثلة فصِرنا إلى الدية. وهذا بخلاف اللطمة والضربة، فإنه لو قُدِّر تعدي المقتضي فيها لم يكن ذلك بذهاب جزء، بل بزيادة ألمٍ وهذا لا يمكن الاحتراز منه، ولهذا توجبون التعزير مع أن أَلمَه يكون أضعافَ ألم اللطمة، ويُبرَد من سنِّ الجاني مقدارُ ما كَسَر من سن المجني عليه مع شدة الألم، وكذلك قَلْعُ سنه وعينه ونحو ذلك لا بد فيه من زيادة ألمٍ ليصل المجنيُّ عليه إلى استيفاء حقه، فهلّا اغتفرتم (٥) هذا الألم المقدَّرَ زيادتُه في اللطمة والضربة،


(١) أخرجه البخاري (٥٢٩٥) ومسلم (١٦٧٢) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -.
(٢) في الطبعتين: «ولا يرضخ» خلافًا للأصل.
(٣) كذا في الأصل، وغير محرّر في (هـ)، والمراد: الذي يقتضي ــ أي يأخذ ويستوفي ــ حق المجنيّ عليه من الجاني بالاقتصاص منه. في ط. الفقي: «المقتصّ»، وهو محتمل.
(٤) في الأصل و (هـ): «المجني عليه»، والظاهر أنه سبق قلم، فإن المعنى على ما أثبت.
(٥) في الأصل والطبعتين هنا وفي السطر التالي: «اعتبرتم» تحريف، والتصحيح من (هـ).