للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فهذه الأحاديثُ كلُّها تدلُّ على معنى واحد, (١) أنه كان يطيل الركوعَ والسجودَ ويخفِّفُ القيامَ. وهذا بخلاف ما كان يفعله بعضُ الأمراء الذين أنكر الصحابةُ صلاتهم من إطالة القيام على ما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله غالبًا, وتخفيف الركوع والسجود والاعتدالين. ولهذا أنكر ثابتٌ عليهم تخفيف الاعتدالين, وقال: «كان أنس يصنع شيئًا لا أراكم تصنعونه» (٢). وحديث ابن أبي العمياء إنما فيه أن صلاة أنس كانت خفيفة. وأنسٌ فقد وصف خِفَّة صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -, وأنها أشبه شيء بصلاة عمر بن عبد العزيز مع تطويل الركوع والسجود والاعتدالين، وأحاديثُه لا تتناقض, والتخفيفُ أمرٌ نسبيٌّ إضافيّ, فعشر تسبيحات وعشرون آية أخفّ من مائة تسبيحة ومائتي آية, فأيُّ معارَضة في هذا لما تقدم من الأحاديث الصحيحة الصريحة؟!

وأما تخفيف النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الصلاةَ عند بكاء الصبيّ, فلا يُعارِض [ق ٤٩] ما ثبت عنه من صفة صلاته, بل قد قال في الحديث نفسه: «إني أدخل في الصلاة وأنا أريد أن أطيلها, فأسمع بكاءَ الصبيِّ فأتجَوَّز». فهذا تخفيفٌ لعارض, وهو من السنة, كما يخفف صلاة السفر وصلاة الخوف, وكلُّ ما ثبت عنه من التخفيف فهو لعارض, كما ثبت عنه أنه قرأ في السَّفَر في العشاء بالتين والزيتون، وكذلك قراءته في الصبح بالمعوِّذَتَين (٣) , فإنه كان في السَّفَر, ولذلك رفع الله تعالى الجُنَاح عن الأمة في قصر الصلاة في السفر والخوف.


(١). زاد في ط. الفقي: «وهو»، والمعنى واضح بدونها.
(٢). تقدم تخريجه.
(٣). تقدم تخريجها.