للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والقصرُ قصران: قصرُ الأركان, وقصرُ العدد؛ فإن اجتمع السفر والخوف, اجتمع القصران, وإن انفرد السفرُ وحده شُرِع قصر العدد, وإن انفرد الخوفُ وحدَه, شُرِع قصر الأركان.

وبهذا يُعْلَم سرّ تقييد القصر المطلق في القرآن بالخوف والسفر, فإن القصر المطلق الذي يتناول القصرين إنما يُشْرَع عند الخوف والسفر، فإن انفرد أحدُهما بقي مطلق القصر, إما في العدد وإما في القَدْر. ولو قُدّر أنه - صلى الله عليه وسلم - خفّفَ الصلاةَ لا لعذرٍ, كان في ذلك بيان الجواز, وأن الاقتصار على ذلك العذر ونحوه يكفي في أداء الواجب. فأما أن يكون هو السُّنَّة وغيره مكروه, مع أنه فِعْل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أغلب أوقاته فحاشى وكلّا, ولهذا رواته عنه أكثر من رواة التخفيف, والذين رووا التخفيف رووه أيضًا, فلا تُضْرَب سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعضُها ببعض, بل يُستعمل كلٌّ منها في موضعه.

وتخفيفُه إما لبيان الجواز, وتطويله لبيان الأفضل، وقد يكون تخفيفه لبيان الأفضل إذا عَرَض ما يقتضي التخفيفَ, فيكون التخفيف في موضعه أفضل, والتطويل في موضعه أفضل, ففي الحالتين ما خرج عن الأفضل, وهذا اللائق بحاله - صلى الله عليه وسلم -, وجزاه عنَّا أفضل ما جزى نبيًّا عن أمته, وهو اللائق بمن اقتدى به وائتمَّ به - صلى الله عليه وسلم -.

وأما حديث معاذ فهو الذي فَتَن النقَّارين وسُرّاق الصلاة, لعدم علمهم بالقصة وسياقها؛ فإنّ معاذًا صلى مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عشاء الآخرة, ثم ذهب إلى بني عمرو بن عوف بقباء, فقرأ بهم بسورة (١) البقرة. هكذا جاء في


(١). كذا في الأصل و (ش، هـ)، وفي المطبوعات: «سورة» خلاف الأصل.