للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وقد أخرجه النسائي (١) أيضًا، وفيه: «في عمرة على المروة»، وتسمَّى العمرة حجًّا لأن معناها القَصْد (٢). وقد قالت حفصة - رضي الله عنها -: «ما بالُ الناس حَلُّوا ولم تحلل أنت من عُمرتك؟» قيل: إنما تعني من حَجَّتِك.

قال ابن القيم - رحمه الله -: واحتجَّ بهذا مَن قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تمتَّع في حجَّة الوداع تمتُّعًا حلَّ فيه كالقاضي أبي يعلى وغيره (٣). وهذا غلطٌ منهم, فإن المعلوم من شأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يحلّ بعمرة في حجَّته, وقد تواتر عنه ذلك، وقال: «لولا أن معيَ الهَدْيَ لأحللتُ» (٤). وهذا لا يستريبُ فيه مَن له علمٌ بالحديث, فهذا لم يقع في حجته بلا ريب, إنما وقع في بعض عُمَرِه, ويتعيَّن أن يكون في عمرة الجِعْرَانة, والله أعلم, لأن معاوية إنما أسلم يوم الفتح مع أبيه, فلم يقصِّر عنه في عمرة الحديبية, ولا عمرة القضية, و النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لم يكن محرِمًا في الفتح, ولم يحلّ من إحرامه في حجَّة الوداع بعمرة, فتعيَّن أن يكون ذلك في عمرة الجِعْرَانة, هذا إن كان المحفوظ أنه هو الذي قصَّر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإن كان المحفوظ هو الرواية الأخرى, وهو قوله: «رأيته يُقَصَّر عنه على المروة» (٥) فيجوز أن يكون في عُمرة القضية والجِعْرَانة حَسْبُ, ولا يجوز أن يكون في غيرهما لما تقدم. والله أعلم (٦).


(١) (٢٩٨٧).
(٢) في مطبوعة «المختصر»: «المقصد»، والمثبت من المخطوط.
(٣) ينظر «التعليقة الكبيرة»: (١/ ٣١٢). وانظر «شرح العمدة»: (٤/ ٢٠٣) لابن تيمية.
(٤) أخرجه البخاري (١٥٥٧، ٤٣٥٢)، ومسلم (١٢١٦) من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
(٥) أخرجه مسلم (١٢٤٦).
(٦) ينظر «شرح العمدة»: (٥/ ٢٠٥ - ٢٠٦)، وقد قال في شرح ذلك: «ومن تأمل أحاديث حجة الوداع وأحوالها كان كالجازم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحلَّ بشيء من الأشياء.
فأما حديث معاوية فحديث شاذٌّ، وقد طعن الناس فيه قديمًا وحديثًا كما أخبر قيس بن سعد، فإنهم أنكروا أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قصّر.
ويُشبِه ــ والله أعلم ــ أن يكون أصله أن معاوية قصَّر من رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - في عمرة الجعرانة، فإنه في عمرة القضية لم يكن أسلم بعدُ.
والرواية الصحيحة المتصلة إنما فيها أنه قصَّر من رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - على المروة بمِشْقَصٍ، وكانت عمرة الجعرانة ليلًا، فانفرد معاوية بعلم هذا.

أما حجة الوداع فكان وقوفه على المروة ضُحًى، والناس كلهم حوله، ومثل هذا لا يجوز أن ينفرد بروايته الواحدُ، وكانت الجعرانة في ذي القعدة.
وأما الرواية التي فيها: «أنه قصَّر من رأسه في العشر» فرواية منقطعة؛ لأن عطاء لم يسمع من معاوية، ومراسيله ضعاف، ويُشبِه أن يكون الراوي لما سمع «عن معاوية أنه قصَّر من رأس النبي - صلى الله عليه وسلم - بمِشْقَصٍ» اعتقد أنه كان في حجته، وقد عُلِم أن دخوله مكةَ كان في العشر، فحملَ هذا على هذا.