للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعكرمة (١). وهذه الرواية أصح, لما في «الصحيحين» (٢) عن ابن عباس قال: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات: «مَن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل, ومن لم يجد نعلين فليلبس خُفّين». فأطلق الإذن في لبس الخُفّين ولم يشترط القطع، وهذا كان بعرفات, والحاضرون معه إذ ذاك أكثرهم لم يشهدوا خطبتَه بالمدينة, فإنه كان معه مِن أهل مكة واليمن والبوادي مَن لا يحصيهم إلا الله تعالى, وتأخير البيان عن وقت الحاجة ممتنع.

وفي «صحيح مسلم» (٣) عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَن لم يجد نعلين فليلبس خُفّين, ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل» , فهذا كلام مُبتدأٌ من النبي - صلى الله عليه وسلم -,بَيَّن فيه في عَرَفات ــ في أعظم جَمْع كان له ــ أن من لم يجد الإزار فليلبس السراويل, ومن لم يجد النعلين فليلبس الخُفَّين, ولم يأمر بقطعٍ ولا فَتْق, وأكثر الحاضرين بعرفات لم يسمعوا خطبته بالمدينة، ولا سمعوه يأمر بقطع الخُفّين، وتأخير البيان عن وقته ممتنع؛ فدلَّ هذا على أن هذا الجواز لم يكن شُرِع بالمدينة, وأن الذي شُرِع بالمدينة هو الخفّ المقطوع, ثم شرع بعرفات الخف (٤) من غير قطع.

فإن قيل: فحديث ابن عمر مُقيَّد، وحديث ابن عباس مطلق, والحكم والسبب واحد, وفي مثل هذا يتعيَّن حَمْل المطلق على المقيَّد, وقد أَمَر في


(١) ينظر: «المغني»: (١٢٠ - ١٢١)، و «التمهيد»: (١٥/ ١١٤).
(٢) البخاري (١٨٤١)، ومسلم (١١٧٨).
(٣) (١١٧٩).
(٤) زاد في ط. الفقي في هذا الموضع والذي قبله كلمة «لبس» قبل «الخف»، والسياق لا يحتاج إليها.