قد أخرج مسلم في «صحيحه» من رواية جذامة بنت وهب قالت: ثم سألوه عن العزل؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ذلك الوأد الخفي» قال بعضهم: جعل العزل عن المرأة بمنزلة الوأد إلا أنه خفيّ، لأن مَن يعزل عن امرأته إنما يعزل هربًا من الولد، ولذلك سمّاه الموؤدة الصغرى، لأن وأد الأحياء الموءودة الكبرى.
وقد اختلف السلف في العزل، فاختاره جماعة منهم. قال الشافعي - رضي الله عنه -: ونحن نروي عن عدد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم أرخصوا في ذلك ولم يروا به بأسًا.
قال البيهقي: وقد روّينا الرُّخصةَ فيه من الصحابة، عن سعد بن أبي وقاص وأبي أيوب الأنصاري وزيد بن ثابت وابن عباس وغيرهم.
وذكر غيرُه أنه رُوي عن عليّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وخباب بن الأرت وجابر بن عبد الله. ومن التابعين: سعيد بن المسيب وطاوس ومالك والشافعي والكوفيون وجمهور العلماء، واحتجوا بالأحاديث التي جاءت في ذلك.
وكرهت طائفة العزلَ، رُوي ذلك عن أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب، وعن علي رواية أخرى، وعن ابن مسعود وابن عمر.
وذكر بعضهم أن حجة القائلين بالكراهة حديث جذامة. وقال غيره: يشبه أن يكون حديث جذامة على طريق التنزيه وضعّف حديث جذامة. وقال: كيف يصح أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - كذبهم في ذلك ثم يخبرهم به كخبرهم، وفيما قاله نظر، فإن الحديث في تكذيبه - صلى الله عليه وسلم - اليهودَ فيه اضطراب، وحديث جذامة في «الصحيح»، ثم من أين يتحقق له تقديم أحد الحديثين على الآخر؟ ويمكن أن يجمع بينهما بأن اليهود كانت تقول: العزل لا يكون معه حمل أصلًا، فكذّبهم - صلى الله عليه وسلم - في ذلك. ويدل