ابن عباس. روى الأثرم عنه (١) أنه سئل عن رجل مات وعليه نذر صوم شهر، وعليه صوم رمضان؟ قال:«أما رمضان فليُطعَم عنه، وأما النذر فيصام».
وهذا أعدل الأقوال، وعليه يدل كلام الصحابة. وبهذا يزول الإشكال وتعليلُ حديث ابن عباس بأنه قال:«لا يصوم أحد عن أحد، ويطعم عنه»، فإن هذا إنما هو في الفرض الأصلي، وأما النذر فيصام عنه، كما صرح به ابن عباس، ولا معارضة بين فتواه وروايته. وهذا هو المروي عنه في قصة من مات وعليه صوم رمضان وصوم النذر، فرق بينهما، فأفتى بالإطعام في رمضان، وبالصوم عنه في النذر، فأي شيء في هذا ما يوجب تعليل حديثه؟
وكذلك ما روي عن عائشة من إفتائها في التي ماتت وعليها الصوم: أنه يطعم عنها، إنما هو في الفرض لا في النذر، لأن الثابت عن عائشة فيمن مات وعليه صيام رمضان أنه يطعم عنه في قضاء رمضان، ولا يصام، فالمنقول عنها كالمنقول عن ابن عباس سواء، فلا تعارض بين رأيها وروايتها.
وبهذا يظهر اتفاق الروايات في هذا الباب، وموافقة فتاوى الصحابة لها، وهو مقتضى الدليل والقياس، لأن النذر ليس واجبًا بأصل الشرع، وإنما أوجبه العبد على نفسه، فصار بمنزلة الدَّين الذي استدانه، ولهذا شبهه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدين في حديث ابن عباس. والمسؤول عنه فيه أنه كان صوم نذر، والدَّين تدخله النيابة.
وأما الصوم الذي فرضه الله عليه ابتداء فهو أحد أركان الإسلام، فلا
(١). أي عن ابن عباس، لا كما توَّهمه محقق ط. المعارف أن المراد: عن الإمام أحمد. والأثر ذكره ابن قدامة في «المغني» (٤/ ٣٩٩) وعزاه إلى «السنن» للأثرم. وأخرجه أيضًا عبد الرزاق (٧٦٥١)، وابن حزم في «المحلى» (٧/ ٧)، والبيهقي (٤/ ٢٥٤).