للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وعلّله طائفة أخرى بأنه يوم عيد لأهل الكتاب يعظّمونه، فقَصْده بالصوم دون غيره يكون تعظيمًا له فكُرِه ذلك، كما كره إفراد عاشوراء (١) بالتعظيم لمّا عظّمه أهل الكتاب، وإفراد رجب أيضًا لما عظمه المشركون.

وهذا التعليل قد يعارَض بيوم الأحد، فإنه يوم عيدٍ للنصارى، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «اليوم لنا وغدًا لليهود وبعد غدٍ للنصارى» (٢)، ومع ذلك فلا يكره صومه.

وأيضًا فإذا كان يوم عيدٍ فقد يقال: مخالفتهم فيه يكون بالصوم لا بالفطر، فالصوم فيه تحقيق للمخالفة. ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد والنسائي وغيرهما من حديث كُرَيب مولى ابن عباس قال: أرسلني ابن عباس وناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أم سلمة أسألها أي الأيام كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثرها صيامًا؟ قالت كان يصوم السبت ويوم الأحد أكثر ما يصوم من الأيام، ويقول: «إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم». وصححه بعض الحفاظ (٣). فهذا نص في استحباب صوم يوم عيدهم لأجل مخالفتهم، فكيف تُعلَّل كراهة صومه بكونه عيدًا لهم؟!

وفي «جامع الترمذي» (٤) عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم


(١). في الطبعتين: «يوم عاشوراء» خلافًا للأصل.
(٢). أخرجه البخاري (٨٧٦)، ومسلم (٨٥٥/ ٢٠) واللفظ له.
(٣). كابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقد سبق تخريجه قريبًا.
(٤). برقم (٧٤٦) من طريق أبي أحمد الزبيري ومعاوية بن هشام، كلاهما عن سفيان الثوري، عن منصور، عن خيثمة، عن عائشة.
وهو ضعيف مرفوعًا، فإن معاوية بن هشام صدوق وليس بحجة، وإن أبا أحمد ثقة لكنه يخطئ في حديث الثوري، وقد خالفهما الإمام الثبت الحجة أوثق الناس في الثوري: عبد الرحمن بن مهدي، فرواه عن الثوري موقوفًا على عائشة مِن فِعلها. أخرجه الطبري في «تهذيب الآثار- مسند عمر» (١٢٢٠).