للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الآية، كما لم يدخل فيها أكلُ الوالد مالَ ولده.

وأيضًا: فالآية إنما تدل على تحريم الأكل بالباطل الذي لم يأذن فيه الشارع ولا المالك، فإذا وُجد الإذن الشرعي أو الإذن من المالك لم يكن باطلًا. ومعلوم أن إذن الشرع أقوى من إذن المالك، فما أذِن فيه الشرعُ أَحَلُّ مما أذن فيه المالك، ولهذا كانت الغنائم من أحل المكاسب وأطيبها (١)، ومالُ الولد بالنسبة إلى الأب من أطيب المكاسب، وإن لم يأذن الولد (٢).

وأيضًا: فإنه من المستحيل أن يأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما حرَّمه الله ومنع منه، فعُلم أن الآية لا تتناول محل النزاع أصلًا.

وبهذا خرج الجواب عن الدليل الثاني، وهو كونه مالَ يتيمٍ، مع أن قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا} [النساء:١٠] يدل على أنه إنما يستحق الوعيد مَن أكلها أكلًا غيرَ مأذونٍ فيه شرعًا، فأما ما أذن فيه الشارع منها فلا يتناوله الوعيد. ولهذا كان للفقير أن يأكل منها أقل الأمرين مِن حاجته أو قَدْرِ عمله، لمَّا لم يكن ذلك ظلمًا لإذن الشارع فيه.

وهذا هو بعينه الجواب عن قوله - صلى الله عليه وسلم -: «إن دماءكم وأموالكم عليكم


(١) كما في الحديث المشهور المتفق عليه: «أحلت لي الغنائم». وفي حديث آخر مُرسل بإسناد ضعيف: «أطيب كسب المسلم سهمه في سبيل الله ... ». أخرجه سعيد بن منصور (٢٨٨٦).
(٢) كما في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إن لي مالًا وولدًا، وإن والدي يجتاح مالي. قال: «أنت ومالك لوالدك، إن أولادكم من أطيب كسبكم، فكلوا من كسب أولادكم». أخرجه أحمد (٦٦٧٨)، وأبو داود (٣٥٣٠) واللفظ له، وابن ماجه (٢٢٩٢) من طرق عن عمرو به.