للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وذهب آخرون إلى أن ذلك مكروه لا محرّم، وحملوا الحديث على الكراهة، منهم مالك وطائفة من أصحاب أحمد، منهم أبو يعلى وغيره.

وذهبت طائفة إلى الإباحة، وأنه غير مكروه، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه.

والذين لم يقولوا به، منهم من أعله بالوقف، وقد تقدّم ضعفُ هذا التعليل. ومنهم من قال: هذا خلاف الحديث الثابت عن عائشة المتفق على صحته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث بهَدْيه ويقيم حلالًا، لا يحرم عليه شيء (١).

قال الشافعي (٢): فإن قال قائل: ما دل على أنه اختيار لا واجب؟ قيل له: روى مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرة عن عائشة قالت: «أنا فتلتُ قلائدَ هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - بيدي، ثم قلّدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم بعث بها مع أبي بكر، فلم يحرم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء أحلّه الله له حتى نحر الهدي».

قال الشافعي: وفي هذا دلالة على ما وصفت، وعلى أن المرء لا يُحْرِم بالبِعثة بهديه؛ يقول: البِعثة بالهدي أكبر من إرادة الأضحية.

ومنهم من رد هذا الحديث بخلافه للقياس، لأنه لا يَحْرُم عليه الوطء واللباس والطِّيب، فلا يحرم عليه حلق الشعر وتقليم الظفر.

وأسعد الناس بهذا الحديث مَن قال بظاهره لصحته وعدم ما يعارضه.


(١) أخرجه البخاري (١٦٩٨، ١٧٠٠، ١٧٠٢، ومواضع أخرى)، ومسلم (١٣٢١).
(٢) «اختلاف الحديث» (١٠/ ١٥٨ - ضمن الأم).