للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأما حديث عائشة، فهو إنما يدل على أن من بعث بهديه وأقام في أهله فإنه يقيم حلالًا، ولا يكون مُحرِمًا بإرسال الهدي، ردًّا على من قال: يكون بذلك مُحرِمًا من السلف، ولهذا روت عائشة لمّا حكي لها هذا (١).

وحديث أم سلمة يدل على أن من أراد أن يضحّي أمسك في العشر عن شعره وظفره خاصة، فأي منافاة بينهما؟ ولهذا أحمد وغيره يعمل بكلا الحديثين: هذا في موضعه، وهذا في موضعه. وقد سأل الإمام أحمد (٢) أو غيره عبدَ الرحمن بن مهدي عن هذين الحديثين؟ فقال: هذا له وجه، وهذا له وجه.

ولو قُدِّر بطريق الفرض تعارضهما لكان حديث أم سلمة خاصًّا وحديث عائشة عامًّا، ويجب تنزيل العام على ما عدا مدلول الخاص توفيقًا بين الأدلة، ويجب حمل حديث عائشة على ما عدا ما دل عليه حديث أم سلمة؛ أن (٣) النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ليفعل ما نهى عنه، وإن كان مكروهًا.

وأيضًا: فعائشة إنما تعلم ظاهرًا ما يباشرها به، أو يفعله ظاهرًا من اللباس والطيب. وأما ما يفعله نادرًا، كقص الشعر وتقليم الظفر، مما لا يُفعل في الأيام العديدة إلا مرة = فهي لم تُخبر بوقوعه في عشر ذي الحجة منه - صلى الله عليه وسلم -، وإنما قالت: «لم يحرم عليه شيء»، وهذا غايته أن يكون شهادة على نفيٍ، فلا يعارِض حديث أم سلمة. والظاهر أنها لم ترد ذلك بحديثها، وما


(١) كما في البخاري (١٧٠٠) ردًّا على قول ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٢) كما في «مسائله» برواية صالح (١/ ٤٥٠)، ولكن فيه أن عبد الرحمن سكت ولم يجب بشيء، فسأل أحمد يحيى بن سعيد القطان فهو الذي أجاب بهذا.
(٣) كذا في الأصل، ولعل الصواب: «فإن» كما في ط. الفقي، أو «لأن».