للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ترجم عليه وقال: «إذا كان النوح من سنَّته»، وهو قريب من الأول.

المسلك الثالث: أن الباء ليست باء السببية، وإنما هي باء المصاحبة، والمعنى: يعذب مع بكاء أهله عليه، أي يجتمع بكاء أهله وعذابه، كقوله: خرج زيد بسلاحه؛ قال تعالى: {وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ} [المائدة:٦١].

وهذا المسلك باطل قطعًا، فإنه ليس كل ميت يعذَّب، ولأن هذا اللفظ لا يدل إلا على السببية، كما فهمه أعظم الناس أفهامًا، ولهذا ردَّته عائشة لما فهمت منه السببية.

ولأن اللفظ الآخر الصحيح الذي رواه المغيرة (١) يُبطل هذا التأويل.

ولأن الإخبار بمقارنة عذاب الميت المستحق للعذاب لبكاء أهله لا فائدة فيه.

المسلك الرابع: أن المراد بالحديث ما يتألَّم به الميت ويتعذب به من بكاء الحي عليه، وليس المراد أن الله تعالى يعاقبه ببكاء الحي عليه؛ فإن التعذيب هو من جنس الألم الذي يناله بمن يجاوره ممن يتأذى به ونحوه. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «السفر قطعة من العذاب» (٢). وليس هذا عقابًا على ذنب، وإنما هو تعذيب وتألُّم، فإذا وُبِّخ الميت على ما يناح به عليه لحقه من ذلك تألم وتعذيب.


(١) وهو: «من يُنَح عليه، فإنه يعذّب بما نيح عليه».
(٢) وتمامه: «يمنع أحدَكم طعامَه وشرابَه ونومَه، فإذا قضى نَهْمتَه فليُعَجِّل إلى أهله». أخرجه البخاري (١٨٠٤)، ومسلم (١٩٢٧) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.