للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أعمر موضع بسمرقند، وعلى حافات هذا النهر غلّات موقوفة على من بات في هذا النهر وحفظة من المجوس عليهم حفظ هذا النهر شتاء وصيفا مستفرض ذلك عليهم، وفي المدينة مياه من هذا النهر عليها بساتين، وليس من سكة ولا دار إلّا وبها ماء جار إلّا القليل، وقلّما تخلو دار من بستان حتى إنّك إذا صعدت قهندزها لا ترى أبنية المدينة لاستتارها عنك بالبساتين والأشجار، فأمّا داخل سوق المدينة الكبيرة ففيه أودية وأنهار وعيون وجبال، وعلى القهندز باب حديد من داخله باب آخر حديد، ولما ولي سعيد بن عثمان خراسان في سنة ٥٥ من جهة معاوية عبر النهر ونزل على سمرقند محاصرا لها وحلف لا يبرح حتى يدخل المدينة ويرمي القهندز بحجر أو يعطوه رهنا من أولاد عظمائهم، فدخل المدينة ورمى القهندز بحجر فثبت فيه فتطيّر أهلها بذلك وقالوا:

ثبت فيها ملك العرب، وأخذ رهانهم وانصرف، فلمّا كانت سنة ٨٧ عبر قتيبة بن مسلم النهر وغزا بخارى والشاش ونزل على سمرقند، وهي غزوته الأولى، ثمّ غزا ما وراء النهر عدّة غزوات في سنين سبع وصالح أهلها على أن له ما في بيوت النيران وحلية الأصنام، فأخرجت إليه الأصنام فسلب حليها وأمر بتحريقها، فقال سدنتها: إن فيها أصناما من أحرقها هلك! فقال قتيبة: أنا أحرقها بيدي، وأخذ شعلة نار وأضرمها فاضطرمت فوجد بقايا ما كان فيها من مسامير الذهب خمسين ألف مثقال، وبسمرقند عدّة مدن مذكورة في مواضعها، منها: كرمانية ودبوسية وأشروسنة والشاش ونخشب وبناكث، وقالوا: ليس في الأرض مدينة أنزه ولا أطيب ولا أحسن مستشرفا من سمرقند، وقد شبهها حضين بن المنذر الرقاشي فقال:

كأنّها السماء للخضرة وقصورها الكواكب للإشراق ونهرها المجرّة للاعتراض وسورها الشمس للإطباق، ووجد بخط بعض ظرفاء العراق مكتوبا على حائط سمرقند:

وليس اختياري سمرقند محلّة ... ودار مقام لاختيار ولا رضا

ولكنّ قلبي حلّ فيها فعاقني ... وأقعدني بالصغر عن فسحة الفضا

وإنّي لممّن يرقب الدّهر راجيا ... ليوم سرور غير مغرى بما مضى

وقال أحمد بن واضح في صفة سمرقند:

علت سمرقند أن يقال لها ... زين خراسان جنّة الكور

أليس أبراجها معلّقة ... بحيث لا تستبين للنّظر

ودون أبراجها خنادقها ... عميقة ما ترام من ثغر

كأنّها وهي وسط حائطها ... محفوفة بالظّلال والشّجر

بدر وأنهارها المجرّة وال ... آطام مثل الكواكب الزّهر

وقال البستي:

للنّاس في أخراهم جنّة، ... وجنّة الدنيا سمرقند

يا من يسوّي أرض بلخ بها، ... هل يستوي الحنظل والقند؟

قال الأصمعي: مكتوب على باب سمرقند بالحميرية:

بين هذه المدينة وبين صنعاء ألف فرسخ، وبين بغداد وبين إفريقية ألف فرسخ، وبين سجستان وبين البحر مائتا فرسخ، ومن سمرقند إلى زامين سبعة عشر

<<  <  ج: ص:  >  >>