قُرْطُبَةُ:
بضم أوله، وسكون ثانيه، وضم الطاء المهملة أيضا، والباء الموحدة، كلمة فيما أحسب عجمية رومية ولها في العربية مجال يجوز أن يكون من القرطبة وهو العدو الشديد، قال بعضهم:
إذا رآني قد أتيت قرطبا، ... وجال في جحاشه وطرطبا
وقال الأصمعي: طعنه فقرطبه إذا صرعه، وقال ابن الصامت الجشمي:
رقوني وقالوا: لا ترع يا ابن صامت، ... فظلت أناديهم بثدي مجدّد
وما كنت مغترّا بأصحاب عامر ... مع القرطبا بلّت بقائمه يدي
وقال: القرطبا السيف كأنه من قرطبه أي قطعه:
وهي مدينة عظيمة بالأندلس وسط بلادها وكانت سريرا لملكها وقصبتها وبها كانت ملوك بني أمية ومعدن الفضلاء ومنبع النبلاء من ذلك الصقع، وبينها وبين البحر خمسة أيام، قال ابن حوقل التاجر الموصلي وكان طرق تلك البلاد في حدود سنة ٣٥٠ فقال:
وأعظم مدينة بالأندلس قرطبة وليس لها في المغرب شبيه في كثرة الأهل وسعة الرقعة، ويقال: إنها كأحد جانبي بغداد وإن لم تكن كذلك فهي قريبة منها، وهي حصينة بسور من حجارة ولها بابان مشرعان في نفس السور إلى طريق الوادي من الرصافة والرصافة مساكن أعالي البلد متصلة بأسافله من ربضها، وأبنيتها مشتبكة محيطة من شرقيّها وشماليها، وغربها وجنوبها فهو إلى واديها وعليه الرصيف المعروف بالأسواق والبيوع، ومساكن العامة بربضها، وأهلها متموّلون متخصصون وأكثر ركوبهم البغلات من خورهم وجبنهم أجنادهم وعامتهم، ويبلغ ثمن البغلة عندهم خمسمائة دينار، وأما المائة والمائتان فكثير لحسن شكلها وألوانها وقدودها وعلوها وصحة قوائمها، قال عبيد الله الفقير إليه مؤلف هذا الكتاب: كانت صفتها هكذا إلى حدود سنة ٤٤٠ فإنه انقضت مدة الأمويين وابن أبي عامر وظهر المتغلبون بالأندلس وقويت شوكة بني عبّاد وغيرهم واستولى كلّ أمير على ناحية وخلت قرطبة من سلطان يرجع إلى أمره وصار كل من قويت يده عمرت مدينته، وخربت قرطبة بالجور عليها فعمّرت إشبيلية ببني عباد عمارة صارت بها سرير ملك الأندلس، فهي إلى الآن على ذلك من العمارة، وخربت قرطبة وصارت كإحدى المدن المتوسطة، وقد رثوها فأكثروا فيها، وممن تشوّق إليها القاضي محمد بن أبي عيسى بن يحيى الليثي قاضي الجماعة بقرطبة فقال فيها:
ويل امّ ذكراي من ورق مغرّدة ... على قضيب بذات الجزع ميّاس
رددن شجوا شجا قلبي الخلّي فقل ... في شجو ذي غربة ناء عن الناس
ذكّرنه الزمن الماضي بقرطبة ... بين الأحبّة في لهو وإيناس
هجن الصبابة لولا همّة شرفت ... فصيّرت قلبه كالجندل القاسي
وينسب إليها جماعة وافرة من أهل العلم، منهم: أبو بكر يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي، قرأ عليه كثير من شيوخنا، وكان أديبا فاضلا مقرئا عارفا بالنحو واللغة، سمع كثيرا من كتب الأدب وورد الموصل فأقام بها يفيد أهلها ويقرؤون عليه فنون العلم إلى أن مات بها في سنة ٥٦٧، وممن ينسب إليها أحمد بن محمد بن عبد البر أبو عبد الملك من