للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالذهب، فضرب أمثال اللبن. ثم بنى بذلك تلك المدينة، وأمر بالدرّ، والياقوت، والجزع، والزبرجد، والعقيق، ففصّص به حيطانها، وجعل لها غرفا من فوقها غرف، معمّد جميع ذلك بأساطين الزبرجد، والجزع، والياقوت. ثم أجرى تحت المدينة واديا، ساقه إليها من تحت الأرض أربعين فرسخا، كهيئة القناة العظيمة. ثم أمر فأجري من ذلك الوادي سواق في تلك السكك، والشوارع، والأزقّة، تجري بالماء الصافي. وأمر بحافتي ذلك النهر وجميع السواقي، فطليت بالذهب الأحمر، وجعل حصاه أنواع الجواهر: الأحمر، والأصفر، والأخضر، فنصب على حافتي النهر والسواقي أشجارا، من الذهب، مثمرة. وجعل ثمرها من تلك اليواقيت، والجواهر، وجعل طول المدينة اثني عشر فرسخا، وعرضها مثل ذلك. وصيّر صورها عاليا مشرفا، وبنى فيها ثلاثمائة ألف قصر، مفصّصا بواطنها وظواهرها بأصناف الجواهر. ثم بنى لنفسه في وسط المدينة، على شاطئ ذلك النهر، قصرا منيفا عاليا يشرف على تلك القصور كلها. وجعل بابها يشرع إلى الوادي، بمكان رحيب واسع. ونصب عليه مصراعين من ذهب، مفصّصين بأنواع اليواقيت. وأمر باتخاذ بنادق من مسك وزعفران، فألقيت في تلك الشوارع والطرقات. وجعل ارتفاع تلك البيوت، في جميع المدينة، ثلاثمائة ذراع في الهواء. وجعل السور مرتفعا ثلاثمائة ذراع مفصّصا خارجه وداخله بأنواع اليواقيت وظرائف الجواهر. ثم بنى خارج سور المدينة أكما يدور ثلاثمائة ألف منظرة بلبن الذهب والفضة عالية مرتفعة في السماء، محدقة بسور المدينة، لينزلها جنوده، ومكث في بنائها خمسمائة عام. وإن الله تعالى أحب أن يتّخذ الحجّة عليه، وعلى جنوده، بالرسالة والدّعاء إلى التوبة والإنابة، فانتجب لرسالته إليه هودا، عليه السلام، وكان من صميم قومه وأشرافهم. وهو في رواية بعض أهل الأثر هود بن خالد بن الخلود بن العاص بن عمليق بن عاد ابن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام. وقال أبو المنذر:

هو هود بن الخلود بن عاد بن إرم بن سام بن نوح، عليه السلام، وقيل غير ذلك ولسنا بصدده. ثم إن هودا، عليه السلام، أتاه فدعاه إلى الله تعالى وأمره بالإيمان، والإقرار بربوبية الله، عز وجل، ووحدانيته، فتمادى في الكفر والطّغيان، وذلك حين تمّ لملكه سبعمائة سنة. فأنذره هود بالعذاب، وحذّره وخوّفه زوال ملكه، فلم يرتدع عما كان عليه، ولم يجب هودا إلى ما دعاه إليه. ووافاه الموكلون ببناء المدينة، وأخبروه بالفراغ منها. فعزم على الخروج إليها في جنوده، فخرج في ثلاثمائة ألف من حرسه وشاكريّته ومواليه، وسار نحوها، وخلّف على ملكه بحضرموت وسائر أرض العرب ابنه مرثد بن شدّاد. وكان مرثد، فيما يقال، مؤمنا بهود، عليه السلام، فلما قرب شداد من المدينة، وانتهى إلى مرحلة منها، جاءت صيحة من السماء، فمات هو وأصحابه أجمعون، حتى لم يبق منهم مخبر، ومات جميع من كان بالمدينة من الفعلة، والصّناع، والوكلاء، والقهارمة، وبقيت خلاء، لا أنيس بها. وساخت المدينة في الأرض، فلم يدخلها بعد ذلك أحد، إلا رجل واحد في ايام معاوية، يقال له: عبد الله بن قلابة، فإنه ذكر في قصة طويلة تلخيصها: أنّه خرج من صنعاء في بغاء إبل له ضلّت، فأفضى به السّير إلى مدينة صفتها كما ذكرنا، وأخذ منها شيئا من بنادق المسك، والكافور، وشيئا من الياقوت. وقصد إلى معاوية بالشام، وأخبره

<<  <  ج: ص:  >  >>