للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُظْهِرًا مُلْتَبَسَهُ، كي يكتسبه (١) جميل الذِّكْر، وتخليده إلى آخر الدهر، فينبغي أن يُفرغ قَلْبه لأجله إذا شَرَع ويَصْرف إليه كُلَّ شُغْله قبل أن يمنعه مانع عن نَيْل ذلك الشَّرف. ثم إذا تَمَّ لا يُخْرِج ما صَنَّفَهُ إلى النّاس ولا يُدَع (٢) عن يَدِه إلا بعد تهذيبهِ وتَنْقيحه وتَحْريرِه وإعادة مُطالعته، فإنه قد قيل: الإنسان في فُسْحةٍ من عَقْله، وفي سَلامةٍ من أفواه جنسه ما لم يَضع كتابًا أو لم يَقُل شعرًا وقيل (٣): مَن صَنَّفَ كتابًا فقد استَشْرف للمَدْح والذَّمِّ، فإن أحسن فقد استُهْدِفَ من الحَسَد والغيبة، وإن أساءَ فقد تعرَّضَ للشتم والقذف. قالت الحُكماءُ: مَن أرادَ أن يُصَنِّف كتابًا أو يقول شِعرًا فلا يَدْعوه العُجب به وبنفْسِه إلى أن ينتحلَهُ، ولكن يَعْرِضُه على أهله في عَرْض رَسائل أو أشعار، فإن رأى الأسْماعَ تَصْغِي إليه ورأى مَن يَطلبه انتحلَهُ وادعاه، وإلا فليأخُذ في غير تلك الصناعة.

تذنيب: ومن النّاس من يُنكر التَّصنيف في هذا الزَّمان مُطْلَقًا، ولا وجهَ لإنكاره من أهله، وإنما يحمله عليه التّنافس والحَسَد الجاري بين أهل الأعصار والله دَرّ القائل في نظمه (٤):

قُل لمن لا يَرَى المُعاصر شيئًا … ويَرَى للأوائل التَّقْديما

إنَّ ذاكَ القديم كان حديثًا … وسيَبْقَى هذا الحديث قديما


(١) هكذا بخط المؤلف، ولعله أراد: "يكسبه".
(٢) هكذا بخطه، ولعله أراد: "يدعه".
(٣) في م: "وقد قيل"، والمثبت من خط المؤلف.
(٤) البيتان لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن شرف الجذامي القيرواني المتوفى سنة ٤٦٠ هـ، ذكرهما في أول كتابه مسائل الانتقاد، ص ٥، وذكرهما السيوطي في المحاضرات والمحاورات، ص ٢٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>