للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وفي تحقيق ما ذكرنا بياناتٌ ثلاثة:

البيانُ الأوّل: في بَحْث الموضوع.

واعلم أنَّ السَّعادةَ الإنسانية لمّا كانت منوطة بمعرفة حقائق الأشياء وأحوالِها بقَدَر الطاقةِ البَشَريّة، وكانت الحقائق وأحوالها متكثِّرةً متنوِّعةً تَصَدَّى الأوائل لضَبْطِها وتسهيل تعليمها، فأفرَدُوا الأحوال الذاتية المتعلقة بشيءٍ واحد، أو بأشياء متناسبة، ودَوَّنُوها على حِدَة، وعَدُّوها عِلْمًا واحدًا (١) وسَمّوا ذلك الشيء، أو الأشياء، موضوعا لذلك العِلْم؛ لأنَّ موضوعات مسائله راجعةٌ إليه. فموضوعُ العِلْم ما تُنْحَلُ (٢) إليه مَوْضوعات مسائله، وهو المراد بقولهم في تعريفه بما يُبْحَثُ فيه عن عوارضهِ الذاتية، فصارَ كُلُّ طائفة من الأحوال، بسبب تشاركها في الموضوع عِلْمًا مُنفردًا مُمتازا بنفسه عن طائفة متشاركة في موضوع آخر، فتمايَزَت العُلُوم في أنفسها بموضوعاتها، وهو تمايز اعتبرُوهُ مع جواز الامتياز بشيء آخر كالغاية والمحمول.

وسلكت الأواخر أيضًا هذه الطريقة الثانية في علومهم، وذلك أمر استحسَنُوهُ في التَّعْليم والتَّعَلُّم، وإلا فلا مانعَ عَقْلًا من أنْ تُعَدَّ (٣) كُلُّ مسألةٍ عِلْمًا برأسه، ويُفْرَدُ بالتَّعليم والتدوين، ولا من أنْ تُعَدّ (٤) مسائل مُتكَثِّرةً غيرَ متشاركة في الموضوع عِلْمًا واحدًا يُفْرَدُ بالتَّدْوين، وإن تشاركت من وجه آخر ككونها متشاركة في أنها أحكام بأمورٍ على أُخرى، فعلِمَ أَنَّ حقيقةَ كُلِّ عَلْمٍ مُدَوّن المسائل المُتَشارِكةِ في موضوع واحد، وأنَّ لكُلِّ علمٍ موضوعًا وغايةً،


(١) في الأصل: "واحد".
(٢) في الأصل: "يُنحل".
(٣) في الأصل: "يُعد".
(٤) كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>