من التصرف في خاصيّة الإنسان، وهي العلوم والصَّنائعُ، ومَن تَشَوَّق بفطرته إلى العِلْم ممن نشأ في القُرى فلا يجد فيها التعليم لا بد له من الرحلة في طلبه إلى الأمصار.
المنظر الرابع: في أَنَّ الرِّحْلةَ فِي الطَّلَب مُفيدةٌ.
وسبب ذلك أنَّ البشر يأخذونَ مَعارفَهُم وأخلاقَهُم وما يَنْتَحِلُونه من المذاهب تارةً عِلْمًا وتعليمًا وإلقاء، وتارةً مُحاكاةً وتَلْقِينًا بالمُباشرة إلا أنَّ حصولَ المَلكات على المُباشرة والتَّلْقين أشدُّ استحكامًا وأقوَى رُسوخًا، فعلَى قَدْر كَثرة الشُّيوخ يكون حُصُولُ المَلكة ورُسُوخُها.
والاصطلاحات أيضًا في تعليم العلوم مغلَطةٌ على المتعلم حتى ظنَّ كثير منهم أنَّها جزء من العِلْم ولا يُدفَع عنه ذلك إلا بمباشرته، لاختلافِ الطرق فيها من المُعلّمين؛ فلقاء أهل العُلُوم وتَعَدُّدُ المشايخ يفيده تمييزَ الاصطلاحات بما يَرَاهُ من اختلافِ طُرُقهم فيها فيُجَرِّد العِلم عنها، ويعلم أنَّها أنحاء تعليم، وتَنْهضُ قُواهُ إلى الرسوخ والاستحكام في الملكات، فالرِّحْلة لا بُدَّ منها في طلب العِلم، لاكتساب الفوائد، والكمال بلقاء المشايخ، ومباشرة الرجال.
[المنظر الخامس: في موانع العلوم وعوائقها.]
وفيه فُتُوحات:
فَتْحٌ: واعلم أنَّهُ على كلِّ خَيْر مانعٌ، وعلى العِلْم موانع، منها: الوُثوق بالمستقبل، والوثوق بالذكاء، والانتقال من عِلْم إلى عِلْمٍ قبل أن يَحْصُلَ منه قَدْرٌ يُعْتَدُّ به، أو من كتاب إلى كتاب قبل خَتْمه. ومنها: طَلَبُ المال، أو الجاه، أو الرُّكون إلى اللذات البهيمية. ومنها: ضيقُ الحال، وعَدَم المَعُونة