واعْلَم أنَّ العُلومَ المُتداولة في الأمصار على صنفين: صنف طبيعي للإنسان يهتدي إليه بفكره، وهي العلوم الحِكمية، وصنفٌ نَقْلِي يأخذه عمّن وضعه، وهي العلوم النَّقْليّة الوَضْعِيَّة، وهي كُلُّها مُسْتَنِدة إلى الخَبَر عن الوَضْع الشَّرعي ولا مَجالَ فيها للعقل إلا في إلحاق الفروع من مسائلها بالأصول؛ لأنَّ الخَبَريات الحادثة المُتعاقبة لا تَنْدَرِج تحتَ النَّقْل الكُلِّي بمجرد وضعه فتحتاج إلى الإلحاق بوجه قياسي إلا أن هذا القياس يتفرع عن الخَبَر بثبوتِ الحُكْم في الأصل وهو نَقْلي، فرجع هذا القياسُ إلى النَّقْل لتفرُّعِه عنه، ثم يَسْتَتْبعُ ذلك علوم اللسان العربي الذي هو لسان الملة وبه نزلَ القُرآن وأصناف هذه العلوم النقلية كثيرة، لأنَّ المكلف يجب عليه أن يعلم أحكام الله المَفْروضة عليه وعلى أبناء جنسه، وهي مأخوذةٌ من الكتاب والسنة بالنَّص أو بالإجماع أو بالإلحاق.
فلا بد من النَّظَر في الكتاب ببيان ألفاظه أولا، وهذا هو علم التفسير ثم بإسناد نَقْلِه وروايته إلى النبي ﵇ الذي جاءَ به من عندِ الله واختلافِ روايات القرّاء في قراءته، وهو: علم القراءات.
ثم بإسناد السُّنّة إلى صاحبها والكلام في الرواة الناقلين لها ومعرفة أحوالهم وعدالتهم ليقع الوثوق بأخبارهم وهذه هي علوم الحديث.
ثم لا بد في استنباط هذه الأحكام من أصولها من وجه قانوني يفيدنا العِلْم بكيفية هذا الاستنباط، وهذا هو أصول الفقه.