للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَحْصِيل العلوم المقصودة بالذات لطولِ وسائلها فيكون الاشتغال بهذه العلوم الآلية تضييعا للعُمُر وشُغلًا بما لا يَعْنِي. وهذا كما فَعَلَهُ المتأخِرونَ في النَّحْو والمَنْطِق وأصول الفقه، لأنَّهم أوسَعُوا دائرة الكلام فيها نَقْلًا واستدلالا، وأكثَرُوا من التّفاريع والمَسائِل بما أَخْرَجَها عن كَوْنِها آلةً وصَيَّرَها (١) مَقْصودةً بذاتها، فيكون لأجل ذلك لَغْوًا ومُضِرًّا بالمُتعلمين، لاهتمامهم بالمقصودِ أكثر من هذه الآلات (٢)، فإذا أفْنَى العُمُر فمتَى يَظفر بالمقاصد، فيجب عليه أن لا يَسْتَبْحِر فيها ولا يَسْتَكْثِر من مسائلها.

المنظر الثامن: في شروط الإفادة ونشر العِلْم.

وفيه فُتُوحات أيضًا:

فَتْحٌ: اعْلَم أَنَّ الإفادة من أفضل العِبادة فلا بُدَّ له من النِّيةِ ليكونَ ابتغاء لمرضاة الله وإرشادِ عبادِه، ولا يريد بذلك زيادةَ جَاهٍ وحُرْمةٍ، ولا يَطلب على إفادته أجرًا اقتداءً بصاحب الشَّرْع .

ثم يَنبغي لهُ مُراعاة أمورٍ منها أن يكونَ مُشْفِقًا ناصحًا على أصحابه (٣)، وأن يُنَبِّهه على غاية العُلوم، ويَزْجره عن الأخلاق الرَّدِيّة، ويَمْنعه أن يتَشَوَّق إلى رُتبةٍ فوقَ استحقاقه، وأن يَتَصدَّى للاشتغال فوق طاقته، وأن لا يُزْجَر إذا تعلّم للرياسةِ والمُباهاة إذ رُبما يَتَنبّه بالآخرة لحقائق الأمور، بل ينبغي أن يُرَغَبَ في نوع من العِلْم تُستفاد به الرياسة بالإطماع فيها حتى يستدرجه إلى الحق.


(١) هكذا بخط المصنف، ولو قال: "وصيروها" لكان أحسن.
(٢) هكذا بخط المؤلف، فكأنّه أراد القول: "لاهتمامهم بهذه الآلات أكثر من المقصود"، والله أعلم.
(٣) الأصحاب هنا بمعنى: التلاميذ.

<<  <  ج: ص:  >  >>