وبعد هذه تحصل الثمرة بمعرفة أحكام الله في أفعال المُكَلَّفين وهو الفقه.
ثم إن التكاليف منها بَدَني، ومنها قلبي وهو المُختص بالإيمان وما يجب أن يُعْتَقَد وهذه هي العقائد في الذات والصفات والنبوات والأخرويات والقدر والاحتجاج عن هذه بالأدلة العقلية هو علم الكلام.
ثم النَّظَر في القُرآن والحديث لا بُدَّ أن تتقدمه العلوم العربية، لأنَّه متوقف عليها، وهي علم اللغة والنحو والبيان ونحو ذلك.
وهذه العُلوم النقلية كُلُّها مختصة بالمِلّة الإسلامية، وإن كانت كُلّ ملة لا بُدَّ فيها من مِثْل ذلك، فهي مُشارِكةٌ لها من حيثُ أنها عُلوم الشريعة. وأما على الخُصوص فمباينة لجميع الملل، لأنها ناسخة لها، وكُلُّ ما قَبْلها من عُلوم الملل فمهجورة، والنظر فيها محظور وإن كان في الكُتُب المنزلة غَيْر القُرآن كما ورد النهي عن النَّظر في التّوراة والإنجيل.
ثم إِنَّ هذه العلوم الشرعية قد نفقت أسواقها في هذه المِلة بما لا مزيد عليه، وانتهت فيها مدارك الناظرين إلى التي لا فَوْقها، وهذبَت الاصطلاحات ورتبت الفنون، وكانَ لكلِّ فنّ رجالٌ يُرجع إليهم فيه، وأوضاعٌ يستفاد منها التعليم، واختصَّ المشرقُ من ذلك والمَغْرِبُ بما هو مشهور منها.
المنظر الثاني: في أنَّ حملةَ العِلْم في الإسلام أكثرهم العَجَم (١).
وذلك من الغريب الواقع، لأنَّ عُلماء المِلَّة الإسلامية في العلوم الشَّرْعية والعقلية أكثرهم العَجَم، إلّا في القليل النّادر، وإن كان منهم العَرَبي في نِسْبَته
(١) هذا المنظر مستفاد من ابن خلدون في مقدمته، وأكثره بحروفه، ٢/ ٤٦٥ - ٤٦٨، وهو رأي مرجوح، وللعلامة الأستاذ الدكتور ناجي معروف رَدّ على هذا النظر في موسوعته العلماء المنسوبون إلى البلدان الأعجمية وهم من أرومة عربية" التي ظهر منها ثلاث مجلدات، وأعيد نشرها بتحقيقنا في الرياض سنة ٢٠١٩ م.