واعْلَم أَنَّ العَربَ في آخر عَصْر الجاهلية حينَ بُعِثَ النبي ﷺ قد تَفَرَّقَ مُلْكُها، وتَشَتَّتَ أمْرُها فَضَمَّ الله به، شاردَها، وجمع عليه جماعةً من قحطان وعَدْنان فآمنوا به، ورَفَضُوا جميعَ ما كانوا عليه، والتزموا شريعةَ الإسلام من الاعتقادِ والعَمَل.
ثم لم يلبث رسول الله ﷺ إلا قليلا حتى تُوفي وخَلَفَهُ أصحابه ﵃ فغَلَبُوا الملوك، وبلغت مملكة الإسلام في أيام عثمان عفان بن ﵁ من الجَلالةِ والسَّعَةِ إلى حيثُ نَبّه عليه النبي ﵇ في قوله:"زويت لي الأرضُ فأُرِيتُ مَشَارِقَها ومغاربها، وسيبلغ مُلك أُمتي ما زُوِيَ لي منها"(١)، فأبادَ الله تعالى بدَولة الإسلام دَوْلةَ الفُرْس بالعراق وخُراسان، ودَولة الرُّوم بالشّام، ودَولة القِبْط بمصر، فكانت العرب في صَدْرِ الإسلام لا تَعْتَني بشيءٍ من العُلوم إلا بلغتها، ومعرفة أحكام شَرِيعتها وبصناعة الطّب، فإنها كانت موجودة عند أفراد منهم لحاجةِ النّاس طُرًّا إليها، وذلك منهم صَوْنًا لقواعد الإسلام وعقائدِ أهلِه عن تَطَرْقِ الخَلَل من عُلوم
(١) حديث صحيح من حديث أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان ﵁، عن النبي ﷺ أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (٣٢٣٥٢)، وأحمد في المسند ٢٨/ ٣٣٩ (١٧١١٥)، ومسلم في صحيحه (٢٨٨٩) (١٩)، وأبو داود في سننه (٤٢٥٢)، والترمذي في جامعه (٢١٧٣) وقال: "حديث حسن صحيح"، وينظر تمام تخريجه في تعليقنا عليه.