للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

المنظر التاسع: فيما يَنبغي أن يكونَ عليه أهلُ العِلْم.

قال الفقيه أبو الليث (١): يُرادُ من العُلماء عشرة أشياء: الخَشْيةُ، والنَّصيحةُ، والشَّفَقةُ، والاحتمال، والصَّبْرُ، والحِلْمُ، والتَّواضع، والعِفّةُ عن أموال النّاس، والدَّوامُ على النظر في الكُتُب، وقلة الحِجاب.

وأن لا يُنازِعَ أحدًا ولا يخاصمه، وعليه أن يشتغل بمصالح نفسه لا بقهر عَدُوَّهِ، قيل: مَن أراد أن يرغم أنفَ عَدُوّه فليحصلَ العِلْم وأن لا يَتَرفّه في المَطعم والملبس، ولا يَتَجمَّل في الأثاث والمسكن، بل يُؤثِرُ الاقتصاد في جمع الأمور، ويتشبه بالسَّلف الصالح، وكُلما ازداد إلى جانب القِلّة ميله از دادَ قُربه من الله؛ لأنَّ التزين بالمُباح وإن لم يكن حَراما، لكنَّ الخوض فيه يُوجبُ الأنس به حتى يَشُقَّ تَرْكُه، فالحَزْمُ اجتناب ذلك؛ لأَنَّ مَن حَاضَ في الدُّنيا لا يَسلمُ منها البَيَّةَ مع أنَّها مَزرعة الآخرة، ففيها الخيرُ النّافِعُ والسُّمُّ النّاقِعُ، ففي تمييز الأوّل من الثاني أحوالٌ:

منها: مَعْرفةُ رُتبة المال، فنعمَ الصّالحُ منه للصالح إذا جَعَلَهُ خادِمًا لا مخدوما، وهو مطلوب لتقوية البَدَن بالمطاعم والملابس والتَّقْوية لكَسْب العلوم والمعارف الذي هو المقصد الأقصى.

ومنها: مُراعاة جِهَة الدَّخل فمن قَدَر على كَسْب الحلال الطَّيِّب فليترك المُشْتَبه، وإن لم يَقْدَر يأخذ منه قدر الحاجة. وإن قدر عليه لكن بالتعب واستغراقِ الوَقْت فعلى العامل العامّي أن يختارَ التَّعَب، وإن كان من الأهل. فإن كانَ ما فاتَهُ من العِلْم والحال أكثر من الثّواب الحاصل في طلب الحلال


(١) هو أبو الليث نصر بن محمد بن إبراهيم السمرقندي الحنفي الفقيه المشهور المتوفى سنة ٣٧٥ هـ (تاريخ الإسلام ٨/ ٤٢٠)، وهذا النص نقله المؤلف من مفتاح السعادة ١/ ٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>