من التَّكْرارِ والإطالةِ المُفيدين لحصول الملكة التامة، ولما قصدوا إلى تسهيل الحِفْظ أرْكَبُوهم صَعْبًا بقَطْعِهم عن تحصيل الملكات النافعة.
المنظر السادس في أنَّ الحِفْظ غير المَلكة العلمية.
اعلم أنَّ مَن كانَ عنايته بالحِفْظ أكثر من عنايته إلى تحصيل الملكة، لا يَحْصُل على طائل من مَلَكةِ التَّصَرُّف في العِلْم، ولذلكَ تَرَى مَنْ حَصَّلَ الحفظ لا يُحسن شيئًا من الفَنَّ، وتجد مَلكته قاصِرةً في عِلْمه إن فاوَضَ أو ناظَرَ. ومَن ظَنَّ أَنَّهُ المقصود من المَلَكة العِلْمية فقد أخطأ، وإنَّما المقصود هو ملكة الاستخراج والاستنباط وسُرعة الانتقال من الدَّوال إلى المَدْلُولات، ومن اللازم إلى المَلْزوم وبالعكس، فإن انضمَّ إليها مَلَكة الاستحضار فنعم المطلوب. وهذا لا يتمُّ بمُجرَّدِ الحِفْظِ، بل الحِفْظُ من أسباب الاستحضار وهو راجع إلى جَوْدةِ القُوّة الحافِظةِ وضَعْفِها، وذلك من أحوال الأمزجة الخَلْقِيّة، وإن كان مما يقبل العلاج.
المنظر السابع: في شَرَائط تحصيل العِلْم وأسبابه.
وفيه فتوحات أيضًا:
فَتْحٌ: واعْلَم أَنَّ شَرائِطَ التَّحْصيل كثيرة لكنَّها مُجتمعةٌ فيما نُقِلَ عن سُقراط، وهو قوله: يَنبغي للطالب أن يكونَ شابًا، فارغ القَلْب غير مُلْتَفتٍ إلى الدُّنيا، صحيح المزاج، مُحبًّا للعلم بحيثُ لا يَخْتار على العِلْم شيئًا من الأشياء، صَدُوقًا، مُنْصِفًا بالطَّبْع، مُتَدَيِّنًا، أمينًا، عالمًا بالوظائف الشَّرْعية والأعمال الدينية، غير مُخل بواجبٍ فيها، ويُحَرِّم على نَفْسِهِ ما يَحْرُم في مِلَّة نَبِيِّه ويوافق الجمهور في الرُّسوم والعادات، ولا يكونُ فَظًّا سييءَ الخُلُق، ويَرْحمَ من دونه في المرتبة، ولا يكون أكولا ولا مُتَهَتِّكًا، ولا خاشعًا من الموت،