للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حينئذ وجودها؛ فثبتَ أنَّ كلَّ نوع من العلوم والنَّظَرِ يفيدُها عَقْلًا مَزِيدًا، وكذا المَلَكاتُ الصناعية تفيدُ عَقْلا، والكتابة من بين الصنائع أكثر إفادة لذلك؛ لأنَّها تشتمل على عُلوم وأنظار إذ فيها انتقال من صُورِ الحُرُوف الخطية إلى الكلمات اللفظية، ومنها إلى المعاني، فهو ينتقل من دليلٍ إلى دليل، وتَتَعوّدُ النَّفْسُ ذلك دائمًا فتحصُلُ لها مَلَكة الانتقال من الأدِلَّة إلى الْمَدْلول، وهو مَعْنَى النَّظَر العَقْلي الذي تُكْسَب به العُلومُ المَجهولة، فيَحْصُل بذلك زيادةَ عَقْل ومزيدَ فِطْنة، وهذا هو ثمرة التعلّم في الدُّنيا.

فَتْحٌ: ثم إنَّ المقصود من العِلْم والتعليم والتَّعَلُّم معرفةُ الله تعالى، وهي غاية الغايات، ورأسُ أنواع السعادات ويُعَبَّرُ عنها بعلم اليقين الذي يَخُصُّه الصوفية أولوا الكرامات، وهو الكمالُ المطلوبُ من العِلْمِ الثابت بالأدلة.

وإياكَ أَيُّها المتعلم أن يكونَ شُغلك من العِلْم أن تجعله صنعةً غَلَبت على قلبك حتى قضيتَ نَحْبَكَ بتكراره عند النَّزْعِ، كما يُحْكَى أَنَّ أَبا طاهرٍ الزِّياديَّ (١) كان يكرر مسألة ضمان الدَّرَك (٢) حالة نَزْعه بل يَنْبَغِي لكَ أن تتخذَهُ سَبِيلًا إلى النَّجاة.

ذِكْر إحراق الكُتُب وإعدامها:

ومن أجل ذلك نُقِلَ عن بعض المشايخ أَنَّهُم أحرقُوا كتبهم، منهم العارف بالله أحمد بن أبي الحواري (٣) فإنه كما ذكرَهُ أبو نعيم في "الحلية" (٤) أَنَّه


(١) هو محمد بن محمد بن محمش بن علي بن داود أبو طاهر الزيادي الفقيه الشافعي المتوفى سنة ٤١٠ هـ، كان يسكن ميدان زياد بن عبد الرحمن بنيسابور فنسب إليه. تاريخ الإسلام ٩/ ١٥٧.
(٢) ضمان الدَّرَك: هو ضمان الثمن للمشتري، إذا ظهر المبيعُ مستحقًا أو معيبًا أو ناقصا بعد قبض الثمن. تُنظر الموسوعة الفقهية الكويتية ٢٨/ ٢٣٧.
(٣) ترجمته في تهذيب الكمال ١/ ٣٦٩، وهو أحمد بن عبد الله بن ميمون الغطفاني التغلبي، أبو الحسن الدمشقي الزاهد، وهو كوفي الأصل، توفي سنة ٢٤٦ هـ.
(٤) حلية الأولياء ١٠/ ٦ - ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>