للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والعِلْمُ محصورٌ في التصور والتصديق والتّصورُ يُطْلَبُ بالأقوال الشارحة، والتصديقُ يكونُ عن مُقَدِّماتٍ في صُور القياسات للنتائج، فقد يحصل به اليقين وقد لا يَحْصُل إلا إقناع.

وقدَّموا في التعليم ما هو أقرب تناولًا ليكون سُلّمًا لغيره. وجَرَت سُنّة القدماء في التعليم مشافهة دون كتاب؛ لئلا يَصِلَ علمٌ إلى غيرِ مُسْتَحِقِّه، ولكثرة المشتغلين بها. فلمّا ضَعُفت الهِمَمُ أخذوا في تدوين العُلوم وضَنُّوا ببعضها، فاستعملوا الرَّمْز واقتَصَرُوا (١) من الدِّلالات على الالتزام فمن عرَفَ مقاصِدَهُم حصل على أغراضهم.

فَتْحٌ: واعْلَم أَنَّ جميعَ المَعلومات إنَّما تُعْرفُ بالدلالة عليها بأحدِ الأمور الثلاثة: الإشارة، واللفظ، والخَطُّ. والإشارة تتوقفُ على المشاهدة، واللَّفْظُ يتوقف على حُضورِ المُخاطَب وسماعه، وأمّا الخَطُّ فلا يتوقف على شيءٍ فهو أَعَمُّها نَفعًا وأشرَفُها، وهو خاصةُ النَّوع الإنساني، فعلى المتعلم أن يجوده ولو بنوع منه. ولا شك أنَّه بالخَطِّ والقراءة ظهرت خاصة النوع الإنساني من القوة إلى الفعل وامتاز عن سائر الحيوان، وضُبطت الأموال، وحفظت العلوم والكمال، وانتقلت الأخبار من زمانٍ إلى زمان فجُبلت غرائز القوابل على قبول الكتابة والقراءة، لكنَّ السَّعْيَ لتحصيل المَلَكة وهو موقوفٌ على الأخذ والتعلم والتَّمرّنِ والتدرب.

فَتْحٌ: واعْلَم أَنَّ العِلْمَ والنَّظَرَ وجودهما بالقوة في الإنسان فيفيدُ صاحبَها عَقْلًا؛ لأنَّ النَّفْسَ الناطقة وخُروجها من القُوّة إلى الفِعْل إنَّما هو بتجدد العلوم والإدراكات من المَحْسُوسات أولًا ثم ما يُكْتَسَبُ بالقوة النَّظَرِيةِ إلى أن يصير إدراكًا بالفِعْل وعَقْلًا مَحْضًا، فيكون ذاتا رُوحانية، ويُسْتَكْمَل


(١) في م: "واختصروا"، والمثبت من خط المؤلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>