فهو أعجمي في لغته. والسَّببُ في ذلك أنَّ المِلّة في أوّلها لم يكن فيها عِلْمٌ ولا صناعة لمُقْتَضَى أحوال البداوة وإنما أحكام الشريعة كان الرِّجال يَنْقُلونها في صُدورهم، وقد عَرَفوا مآخذَها من الكتاب والسنة بما تَلَقَّوه من صاحبِ الشرع وأصحابه، والقومُ يومئذٍ عَرَب لم يعرفوا أمر التعليم والتدوين، ولا دَعَتهم إليه حاجة إلى آخر عَصْر التّابعين كما سبق. وكانوا يُسَمَّون المختصين بحَمْل ذلك ونَقْله: القُرّاءَ. فهُم قُرّاء لكتاب الله والسُّنّة المأثورة التي هي في غالب موارده تفسيرٌ له وشَرْحٌ.
فلما بَعد النَّقْلُ من لَدُن دَوْلَة الرَّشِيد احتيج إلى وَضْع التفاسير القُرآنية وتقييد الحديثِ مخافة ضياعه، ثم احتيج إلى معرفة الأسانيد وتعديل الرُّواة. ثم كَثُر استخراج أحكام الواقعات من الكتاب والسُّنّة، وفَسَدَ مع ذلك اللّسانُ فاحتيج إلى وضع القوانين النَّحْوية، وصارت العُلومِ الشَّرْعية كُلّها مَلَكات في الاستنباط والتنظير والقياس، واحتاجت إلى عُلوم أُخْرَى هي وسائل لها كقوانين العربية وقوانين الاستنباط والقياس والذب عن العقائد بالأدلة، فصارت هذه الأمور كُلّها علومًا مُحتاجةً إلى التعليم فاندَرَجت في جُملة الصَّنائع، والعربُ أبعد الناس عنها، فصارت العلوم لذلكَ حَضَريّة، والحَضَرُ هم العَجَمُ أو مَن فِي مَعْناهُم؛ لأنَّ أهلَ الحواضِرِ تَبَعُ العَجَم في الحضارة وأحوالها من الصَّنائع والحِرَف؛ لأنَّهم أقومُ على ذلك للحضارة الراسخة فيهم مند دولة الفُرْس، فكانَ صاحب صناعة النَّحو سيبويه والفارسي والزَّجاج كُلُّهم عَجَمُ في أنسابهم اكتَسَبُوا اللَّسانَ العربي بمخالطة العَرَب وصَيَّرُوه قوانين لمن بَعْدَهُم. وكذلك حَمَلةُ الحديث وحُفّاظه أكثرهم عَجَم أو مُسْتَعْجِمون باللغة. وكان عُلماء أصول الفقه كلهم عَجَمًا، وكذا جُمْلة أهل الكلام، وأكثر المُفَسّرين. ولم يَقُم بحفظ العِلْم وتدوينه إلا الأعاجم.