للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كان يَقْنع بالجَدَل في الهيئة، وأن يَعْرفَ أيضًا أنَّ ملاك الأمْرِ في المعاني هو الذَّوْقُ وإقامة البرهان عليه خارج عن الطَّوْق، ومَن طلبَ البُرهانَ عليه أتعب نفسه.

قال السَّكاكي (١): قبل أن نمنح هذه الفنون حَقَّها فلننبهك على أصل ليكون على ذِكْرٍ منكَ، وهو أن ليسَ من الواجب في صناعة، وإن كان المرجع في أصولها وتَفارِيعِها إلى مُجرَّد العَقْل، أن يكونَ الدَّخِيلُ فيها كالناشئ عليها في استفادَةِ الذَّوْق عنها (٢)، فكيف إذا كانت الصناعةُ مُسْتَنِدَةً إلى (٣) تحكُّماتٍ وَضْعيّة واعتباراتٍ إلْفِيّة فلا بأس (٤) على الدخيل في صناعةِ عِلْمٍ المعاني أن يُقَلِّدَ صاحبها في بعض فتاواه إن فاتهُ الذَّوْق هناك إلى أن يتكامل له على مَهْل مُوجباتُ ذلك الذَّوْق. انتهى.

فَتْحٌ: ومنها: أنَّ العُلوم الآلية لا تُوَسَّعُ فيها الأنظار؛ وذلك لأنَّ العُلوم المُتداولة على صنفين: علومٌ مَقْصودةٌ بالذات؛ كالشرعيات والحكميات، وعلومٌ هي آلةٌ ووسيلةٌ لهذه العلوم كالعَرَبية والمنطق.

وأما المقاصد فلا حَرَج في تَوْسِعة الكلام فيها، وتفريع المسائل، واستكشاف الأدِلّةِ فإنَّ ذلكَ يُزِيدُ طالبها تمكنًا في مَلَكتِه. وأمَّا العُلوم الآلية فلا يَنبغي أن ينظر فيها إلا من حيثُ هي آلةٌ للغَيْرِ ولا يُوسع فيها الكلام؛ لأنَّ ذلك يخرج بها عن المقصود، وصارَ الاشتغال بها لَغْوًا مع ما فيه مِن صُعوبة الحُصُولِ على مَلَكَتِها بطُولِها وكَثْرَةِ فُرُوعها. وربما يكون ذلك عائقًا عن


(١) مفتاح العلوم، ص ١٦٨.
(٢) في مفتاح العلوم: "منها".
(٣) في المفتاح: "على".
(٤) لفظ: "بأس" لم ترد في المطبوع من المفتاح، ونظنها ساقطة منه، فالمعنى بها يستقيم.

<<  <  ج: ص:  >  >>