للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وسَمَّى الكلامَ صناعة (١). فقال الطِّيبيُّ (٢) والحقُّ أَنَّ كُلَّ علم مارسَهُ الرَّجُلُ حتى صار له حِرْفة سُمِّي ذلك عندهم صَنْعة، واستشهد عليه بما قاله الزمخشري في قوله تعالى: ﴿لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾ [المائدة: ٦٣].

والأولى أن يُقال: إن أُريد العُرْف الخاص فلا يَنْضَبط، وإن أُريدَ العُرف العام المتبادر إلى الأذهان عند الإطلاق فالحق ما قيل أوّلا؛ إذ لا يُطلق على الأساكفة أنهم عُلماء، ولا على صنائعهم أنها علوم، وإن كانت أفعالهم لا تَصْدر إلا عن عِلْم العُلماء وحِكْمَةِ الحُكماء، فالصَّنائعُ الحِكَم التي تَفْتَقِرُ إِلى تَصَوّر الجنان وتمرين البنان، فإن أطلقت الصَّناعة على ما لا وجود له في الأعيان، فبالمجاز على طريق التّشبيه (٣) وأطلقوا على العالم صانعًا للتنبيه على أنه أحكمَ عِلْمَهُ وتفرَّس فيه.

واعْلَم أنَّ تعليمَ العِلْم من جُملة الصَّنائع إذ هو صناعة اختلافِ الاصطلاحاتِ فيه فلكل إمام اصطلاح في التعليم يختص به شأن الصنائع، ألا تَرَى إلى علم الكلام كيفَ يُخَالَفُ في تعليمه اصطلاح المُتقدِّمين والمتأخرين فدَلَّ على أنها صناعات في التعليم والعِلْم واحد.

ولما كانَ التعليم من جُملة الصَّنائع كانَ العُلوم تكثر حيثُ يكثر العمران وتكون نِسْبةُ الصَّنائع في الجَوْدة والكثرة بحسب الأمصار على نسبة عِمْرانها في الكثرة والقلّة والحضارة؛ لأنّه أمر زائد على المعاش، فمتى فَضَلَت أعمال أهل العِمْران عن معاشهم انصرفت إلى ما وراء المعاش


(١) الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل ١/ ٢.
(٢) في كتابه: فتوح الغيب في الكشف عن قناع الريب، وهو حاشيته على الكشاف ١/ ٦٤٦.
(٣) كتب المصنف في حاشية نسخته معلقًا: "كما أنهم يشبهون ألقاب البديع بالنقوش ويجعلون التأليف بينها كالتأليف بين بعض الأصباغ".

<<  <  ج: ص:  >  >>