للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الحاصلةُ بالنَّظَر لا تصفو عن شَوْب الوَهُم ومُخالطة الخيالِ غالبًا، ولهذا كثيرًا ما يقيسون الغائب على الشاهد، فيضلّونَ. وأيضًا لا يتخلّصُونَ في المناظرة عن اتِّباع الهَوَى بخلافِ التَّصَوُّف، فإنَّه تَصْفيةٌ للرُّوح وتطهيرُ للقَلْب عن الوَهْمِ والخيالِ فلا يَبْقَى إلا الانتظار للفيض من العلوم الإلهية.

وأما صعوبةُ المَسْلك وبُعْدُه فلا يقدَحُ في صحة العِلْم مع أَنَّهُ يسيرٌ على مَن يَسَّره الله.

وأما اختلالُ المِزاج فإِنَّ وَقَعَ فيقبلُ العِلاج، ومَثَلُوا بطائفتين تَنازَعتا في المباهاة والافتخارِ بصَنْعَةِ النَّقْشِ والتَّصْوير حتى أدى الافتخار إلى الاختبار فعُيِّن لكُلِّ منهما جِدَار بينهما حِجابٌ فتكلَّفَ أحَدَيْهما (١) في صَنْعتهم واشتغل الأخرى (٢) بالتَّصْقِيل. فلما ارتفع الحجابُ ظَهَرَ تلألؤ الجِدَار مع جميع نُقُوش المُقابل، وقالوا: هذه أمثالُ العُلوم النظرية والكشفية، فالأوّل يَحْصُل من طريق الحواس بالكد والعناء والثاني يَحْصُل من اللوح المَحْفُوظ والملأ الأعلى.

واعتُرِضَ عليهم بأنا لا نُسَلِّم مُطلق الحصول؛ لأنَّ كُلَّ علم مسائل كثيرة وحصولها عبارةٌ عن المَلَكةِ الرّاسخة فيه، وهي لا تتم إلا بالتعلم والتَّدرب كما سَبَق، ولعلَّ المُكاشف لا يَدَّعِي حُصولَ العُلوم النَّظريّة بطريقِ الكَشْف؛ لأنَّه لا يُصَدّق إلا أن يقول بحصول الغاية والغَرَض منها.


(١) هكذا بخط المؤلف، ولو قال: "أحدهما" كان أحسن، وكذا نقله القنوجي في أبجد العلوم، ص ١٤٢.
(٢) هكذا بخط المؤلف، ولو قال: "الآخر" كان أجود، وكذا نقله عنه القنوجي في أبجد العلوم، ص ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>