للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ومنهم مَن جَمَعَ وصَنَّفَ فأبدعَ، ومنهم مَن هَذَّبَ وحَرَّرَ فأجادَ وحَقَّقَ المباحث فوق ما يُراد، رَحِمَ اللهُ أسلافَهُم. وأَيَّدَ (١) أَخْلافَهُم. غير أنَّ أسماءَ تدويناتهم لم تُدَوّن بعد على فَصْلٍ وباب، ولم يُرْوَ فيه خَبَر كتاب.

ولا شَكّ أنَّ تكحيل العيون بغُبارِ أخبارِ آثارهم على وَجْهِ الاستقصاء. لعَمْرِي إِنَّهُ أجدى من تَفَاريق العَصَا (٢)؛ إذ العلوم والكتب كثيرة، والأعمارُ عزيزةً قصيرة، والوقوف على تفاصيلها مُتَعَسِّرٌ، بل مُتَعَذِّرٌ، وإنما المَطْلُوبُ ضَبْط مَعاقِدها. والشعور على مقاصدها (٣).

وقد أَلْهَمَنِي اللهُ تعالى جمعَ أشتاتها، وفَتَحَ عَليَّ أبوابَ أسبابها، فكتبتُ ما رأيتُه في خلال تتبع المؤلَّفات، وتَصَفُّح كُتُبِ التَّواريخ والطَّبَقات. ولَمّا تَمَّ تسويدَهُ في عُنفوان الشباب، بتيسير الفياض الوَهّاب، أسقطته عن حَيّز الاعتداد. وأسْبَلتُ عليه رِداءَ الإبعاد. غير أنّي كُلّما وجدتُ شيئًا ألحقته إلى أن جاءَ أجَلُه المُقَدَّرُ في تَبييضهِ، وكانَ أمرُ الله قَدَرا مَقْدُورًا. فَشَرَعْتُ بسببٍ من الأسباب، وكان ذلك في الكتاب مسطورا.

ورَتَّبته على الحروف المُعْجَمَة "كالمُغْرب" (٤) و "الأساس" (٥)، حَذَرًا


(١) في م: "أبد"، خطأ، والمثبت من الأصل.
(٢) تفاريق العصا عند العرب: أنَّ العصا إذا انكسرت جعلت أشظةً، ثم تجعل الأشظة أوتادًا، ثم تجعل الأوتاد توادي للصرار، يقال: هو خيرٌ من تفاريق العصا. لسان العرب ١٥/ ٦٧.
(٣) هكذا في الأصل، وفي م: "الشعور بمقاصدها"، وهي قراءة مخالفة لما كتبه المؤلف، ولعل المؤلف أراد أن يكتب "العثور" فكتب "الشعور"؟
(٤) لعله يشير إلى كتاب "المُغْرب في ترتيب المعْرب" البرهان الدين أبي الفتح المطرزي الخوارزمي المتوفى سنة ٦١٠ هـ، وسيأتي ذكره، وهو مطبوع.
(٥) يشير إلى كتاب أساس البلاغة للزمخشري (ت (٥٣٨ هـ) والآتي ذكره في هذا الكتاب حيث ذكر هناك أن ترتيبه مثل "المغرب".

<<  <  ج: ص:  >  >>