كاتب جلبي هو أنموذج واضح لشخصية المثقف العثماني التركي الذي بدأ حياته العلمية بتعلم القرآن الكريم، وتحصيل علوم العربية، والتخصص في علوم الدين، والتمرّس بالعلوم الرياضية والطبيعية، مع إتقان للغة الفارسية وأدبها إلى جانب إتقانه للغة العربية. وقد ألف - كعادة العلماء العثمانيين الأتراك ومن سار على نهجهم من مثقفي الدولة العثمانية غير الناطقين بالعربية - باللغتين العربية والتركية في آن معا. كذلك فإن الأسلوب المسجع الذي هو القاسم المشترك في كافة النصوص النثرية الكلاسيكية التي كتبت في القرنين السادس عشر والسابع عشر لا نجده في أعماله أعماله إلّا في القليل النادر فهو لا يعبأ بتزويق أفكاره، ولا يعنى باستخدام التعابير والألفاظ الغريبة، أي أنه لا يتعسف في اختلاق الألفاظ والتراكيب، وإنما يميل إلى الكتابة بأسلوب واضح مختصر، ونادرًا ما يستخدم الجناس والتشبيه في الجملة.
كان كاتب جلبي يجيد التركية والعربية والفارسية، أي "الألسنة الثلاثة" بالمصطلح العثماني، ولهذا فقد استطاع بخبرته وبراعته العاليتين الاستفادة في تأليف من المصادر والمراجع المدونة بتلك اللغات الثلاث. فإلى جانب استخدامه الأوسع للغة التركية التي هي لغته الأم قد استفاد بكل يسر من اللغتين الأخريين عند الحاجة. ويدلنا اختياره للغة معينة منها في تأليفه أو ترجمته لأحد الكتب على ماهية الهدف الذي قصده من ذلك الكتاب وعلى جمهور القراء الذي أراده له. ولسوف يبدو لنا عند الاطلاع على قائمة أعماله ماهية المسوغات في اختيار لغة معينة لتأليف كتاب معين. كما استطاع بمساعدة معاونيه من الأوربيين المسلمين أن يطلع على عدد هام من الكتب الأوربية ليترجمها كما سيأتي بيان ذلك.
ففي الأحوال التي رأى فيها ضرورة مخاطبة النخبة العثمانية وزمرة رجال الحكم في عاصمة الدولة استخدم اللغة التركية. أي أنه استخدم اللغة التركية دائمًا وهو يضع مؤلفاته الهامة في الجغرافيا، وأيضًا عندما يعبر عن آرائه في شئون الدولة والمجتمع، وكذلك وهو يضع كتبه المتعلقة بالتاريخ، سواء كان في تاريخ أوروبا أم كان في تاريخ الدولة العثمانية. كان عند إعداده لأعماله يسعى للاستفادة من المصادر المعاصرة التي جاءت بالمعلومات والمعارف الحديثة التي تنير عقول الفئات التي يخاطبها وتتيح لها التعرف على تاريخها وتاريخ الأمم الأخرى المناهضة لها والتعرف