فعند ذلك صعد الشيخ بين أيدينا، وصعدنا خلفه، وأوقعنا على موضع فبالغنا في حفره حتى انكشف لنا عن بيت منقور من الحجارة، وفيه تمثال على صورة عجيبة يضرب بمطرقة على أعلاه ساعة بعد ساعة، من غير فتور، فاستخبرنا الشيخ عن شأنه، فقال: هذا طلسم لبوراسف المحبوس هاهنا؛ لئلا ينحل من وثاقه.
ثم أمرنا أن لا نتعرض للطلسم، وأن نرده إلى ما كان ففعلنا، ثم دعا بسلالم أطول ما يكون، فأمر الأمير بإحضارها؛ فشد بعضها إلى بعض حتى بلغ مقدار مائة ذراع، ثم رفعها ونقب موضعها؛ فظهر باب فوصلنا إلى أسكفته وعليها مسامير من حديد مذهبة، كأن الصانع قد فرغ منها عن قريب.
وفوق الأسكفة كتاب بالذهب تنطق بأن على هذه القبة سبعة أبواب من حديد، على كل باب مصراع أربعة أقفال من حديد، وعلى العضادة مكتوب: هذا حيوان له أمد إلى غاية، لا يتعرض أحد لهذه الأبواب؛ فإن من فتحه يهجم على هذا الإقليم آفة لا تدفع.
فقال الأمير: لا يتعرض أحد لشيء من هذا حتى أستأذن الخليفة، فأمر برد البيت على ما كان، واستأذن الخليفة فيه، فكتب المأمون أن يترك ذلك على حاله، والله تعالى الموفق للصواب.
(جبل ربوة) على فرسخ من دمشق، ذكر بعض المفسرين أن المراد بقوله تعالى: ﴿وَآوَيْناهُما إِلى رَبْوَةٍ ذاتِ قَرارٍ وَمَعِينٍ﴾ [المؤمنون: ٥٠] هو جبل عال على قلته مسجد حسن، وهو في بعض البساتين من جميع جوانبها الخضرة والأشجار والرياحين، وللمسجد مناظر إلى البساتين.
ولما أرادوا إجراء نهر بردي وقع هذا الجبل في طريقه، فنقبوا تحته، وأجروا الماء فيه، ويجري على رأسه نهر يزيد، وينزل من أعلاه إلى أسفله، وفي هذا الجبل كهف صغير زعموا أن عيسى ﵊ ولد فيه، ورأيت في هذا المسجد في بيت صغير حجرا كبيرا ذا ألوان عجيبة، حجمه كحجم صندوق، وقد انشق نصفين، وبين شقيه مقدار ذراع لم ينفصل أحد النصفين عن الآخر، بل متصل به، كرمان متشقق، ولأهل دمشق في ذلك أقاويل، والله أعلم بصحتها، ولا ريب أنه شيء عجيب.
(جبل رضوى) قال عامر بن أصبع: هو من المدينة على سبع مراحل، وهو جبل منيف ذو شعاب وأودية، يرى من البعد أخضر، وبه مياه وأشجار كثيرة.