للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣]، والذي بقرب مدين لا يخلو من الصلحاء، وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجرة العليق (١).

(جبل طور هارون) جبل مشرف على قبلي بيت المقدس، وإنما سيم طور هارون لأن موسى بعد قتل عبدة العجل أراد المضي إلى مناجاة ربه، فقال له هارون: احملني معك فإني لست آمنا أن يحدث ببني إسرائيل حدث فتغضب علي مرة أخرى، فحمله معه، فلما كان ببعض الطريق إذ هما برجلين يحفران قبرا فوقفا عليه وقالا: لمن تحفران هذا القبر، فقالا: لأشبه الناس بهذا الرجل وأشارا إلى هارون، ثم قالا له: بحق إلهك إلا ما نزلت وأبصرت هل هو واسع فنزع هارون ثيابه ودفعها إلى موسى أخيه ونزل القبر، ونام فيه فقبض الله روحه في الحال، وانضم القبر عليه فانصرف موسى باكيا حزينا على مفارقته وانصرف إلى بني إسرائيل بثياب هارون فاتهموه بقتله (٢) فدعا الله تعالى حتى أراهم تابوته بين الصفا على رأس الجبل، فسمي الجبل جبل هارون.

(جبل الطير) بصعيد مصر في شرقي النيل بقرب أنصنا، وإنما سمي بذلك؛ لأن صنفا من الطير أبيض يقال له البوقير، يجيء في كل عام في وقت معلوم فينعكف على الجبل، وفيه كوة يأتي كل واحد منها ويدخل رأسه في هذه الكوة ثم يخرجه ويلقي نفسه في النيل، ويقوم ويذهب من حيث جاء حتى يدخل واحد رأسه فيها فينقض على رأسه شيء من تلك الكوة فيضطرب ويبقى معلقا فيها إلى أن يتلف فيسقط نفسه من بعد مدة، فإذا كان ذلك انصرف الباقي لوقته فلا يرى شيء من هذا الطير في هذا الجبل إلى ذلك الوقت المعلوم من العام القابل.


(١) شجر العليق: نبات أخضر ضعيف الساق يتعلق بالشجر ويتلوى عليه ليصل إلى ضوء الشمس.
(٢) قال السدي: عن أبي مالك وأبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قالوا: ثم إن الله تعالى أوحى إلى موسى إني متوف هارون، فائت به جبل كذا وكذا، فانطلق موسى وهارون نحو ذلك الجبل، فإذا هم بشجرة لم تر شجرة مثلها، وإذا هم ببيت مبني وإذا هم بسرير عليه فرش وإذا فيه ريح طيبة، فلما نظر هارون إلى ذلك الجبل والبيت وما فيه أعجبه قال يا موسى: … إني أحب أن أنام على هذا السرير، قال له موسى: فنم عليه، قال: إني أخاف أن يأتي رب هذا البيت، قال له موسى: لا تخف فنم.
فلما قبض رفع ذلك البيت وذهبت تلك الشجرة، ورفع السرير إلى السماء، فلما رجع موسى إلى قومه، وليس معه هارون، قالوا: إن موسى قتل هارون وحسده على حب بني إسرائيل له، وكان هارون أكف عنهم، وألين لهم من موسى، وكان في موسى بعض الغلظة عليهم، فلما بلغه ذلك قال لهم: ويحكم كان أخي أفتروني أقلته؟!
فلما أكثروا عليه قام فصلى ركعتين ثم دعا الله فنزل السرير حتى نظروا إليه بين السماء والأرض، قال ابن كثير: وفي بعض هذا السياق نكارة وغرابة والله تعالى أعلم، انظر قصص الأنبياء لابن كثير (٣٢٥).

<<  <   >  >>