الكرم كثير النفع قوي الأصل سريع الثمار فخذ غرسها من قضبان شجرة قريبة العهد واغرسه في النصف الأول من الشهر، ولطخ رأس القضيب بخثى البقر، وبدد في المغرس شيئا من البلوط والنانخواه ليقوي أصله وشيئا من الباقلا لينمو سريعا فإذا أتى بهذه الشرائط تكون شجرتها عجيبة جدّا مخالفة لسائر الكروم وإذا أخذت وزنا من العنب الأسود، وآخر من الأبيض، وثالثا من الأحمر وشققتها بحيث لا يقع منها قشرها وتلصق بعضها بالبعض وتغرسها تثمر العنب الأسود والأبيض والأحمر، فترى هذه الألوان الثلاثة على شجرة واحدة، وإذا أردت أن تسود العنب الأبيض فاحفر ما حول الكرمة واقلب فيها شيئا من النفط الأسود فإن عنبها يسود وإذا أردت أن لا يقع في الكرم دود فاقطع طاقاتها بمنحل ملطخ بدم الضفدع أو دم الذئب، وإن أردت أن تسلم من البرد، فدخن الكرم بالزبل، بحيث يصل الدخان إليها جميعا، ثم انثر عليها ثمر الطرفاء فإنها تسلم من آفة البرد بإذن الله تعالى، ودمعة الكرم التي تتقاطر من قضبانها بعد ما قطعت تجمع ويسقى منها الإنسان المشغوف بالخمر من غير أن يعلم بعد شرب الشراب فإنه يبغضها وإن كان لا يصبر عنها ساعة واحدة. قال ابن سينا: دمعة الكرم جيدة للجرب والقوباء وورقها يمضغ، يقوي اللثة المسترخية ويدق ناعما ويضمد به يسكن الصداع الحار، وقال ابن سينا: ورقها وخيوطها ضماد للصداع الحار، وأصناف ثمرتها كثيرة وأعجبها عيون (١) البقر، كل حبة كجوزة، وأصابع العذارى فإن حباتها طوال كأصابع العذارى المخصوبة، فربما يكون العنقود نحو الذراع، والدوالي وهو عنب أسود غير حالك وعناقيد عظيمة كأنها رؤوس معلقة، وحباته تنكسر بالفم، قال ابن سينا: العنب المقطوف في الوقت يحرك البطن، وقال غيره: يسمن ويقوي شهوة الجماع ويولد مادة المني. تبخيرها ينفع لنهش الهوام والأفاعي وهو مع الخل دواء جيد للبواسير والقوبة. وأما الخمر فقد ذكر سبب حدوثها أن جميشيد الملك في بعض متصيداته رأى في كل شيء من الجبال كرمة عليها عناقيد عنب فتعجب منها وأمر بقطعها، وقال: إنا سمعنا أن الجبال ينبت فيها السموم فلعل هذه منها، وأمر بحفظها حتى يجربها فيمن يستحق القتل فجعلوها في رحلهم فتكثرت حباتها فعصروها وجعلوا ماءها في ظرف، حتى عاد الملك إلى مستقره فأمر بإحضار رجل يستحق القتل وأحضر العصير وقد احتدت وصارت خمرا فسقى الرجل منها قهرا فشربها بمشقة شديدة فما شكوا في كونها سما، فزادوا في سقيه فنام الرجل نومة ثقيلة فلم يشكوا في أنه يجود بنفسه، فلما انتبه من نومه قال: اسقوني مرة أخرى فسقوه مرارا، فما
(١) لا شك أن التكنولوجيا الحديثة وعملية التهجين في الزراعة قد جاء بأنواع جيدة أخرى من العنب.