للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خوفا من أهله، ونسج على زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهم أجمعين لما صلب عريانا، وقيل: إنها نسجت مرتين على نبيين: داود حين كان يطلبه جالوت، وعلى النبي في الغار.

والعنكبوت أصنافه كثيرة لكل صنف فعل عجيب؛ منها الطويلة الأرجل فإنها لما عرفت ضعف قوائمها وأنها تعجز عن الصيد أعدت للصيد مصايدا وحبالا من الخيوط؛ فعمدت إلى فرجة بين حائطين متقاربين وتلقى لعابها الذي هو خيطها ليلصق به، ثم يعدو إلى الجانب الآخر ويحكم الخيط في الطرف الآخر وهكذا ثانيا وثالثا، وهذا هو السدي ثم يحكم لحمته حتى يتم النسج (١) وكل ذلك على تناسب هندسي حتى يصح النسج، ثم يقعد في زاوية مترصدا وقوع الصيد فيها فإذا وقع فيها شيء من الذباب على شبه صيد الفهد؛ وذلك أنه يكمن في زاوية فإذا طارت ذبابة بقربه وثب إليها، وربما مد خيطا من السقف وعلق نفسه فيه منكسا فإذا طار ذباب بقربه رمى بنفسه إليه وأخذه.

ومنها صنف آخر يقال له: الليث وله ست عيون، فإذا رأى الذبابة لطئ بالأرض ثم وثب ولم تخطئ وثبته وهو آفة الذباب.

ومنها صنف يقال له: الرتيلا، إذا مشى على الإنسان يموت الإنسان من لعابه وقد مر ذكره ويسمى عقرب الثعبان؛ لأنه يقتل الثعبان.

ومنها صنف دقيق الصنعة يهيئ نسجه ويصيد بيته فإذا وقعت في مصيدته ذبابة يضرب فيها فتمشي إليها وتمص رطوبتها، والذباب يطن من الألم إلى أن يموت ويحملها إلى خزانته للذخيرة، وأكثر ما يقع في مصيدته في غيبوبة الشمس.

وزعم بعضهم أن العناكب الإناث هي العوامل والذكور لا تعمل شيئا.


(١) فإن العنكبوت ينسج ذلك النسج شركا لا يقدر على مثله الآدميون ومصيدة للذباب، ثم يكمن في جوفه فإذا نشبت فيه الذباب أحال عليه يلدغه ساعة بعد ساعة، ويمصه ويجعله قوتا فيتعيش بذلك، فذلك يحكي صيد الكلاب والفهود، وهذا يحكي صيد الأشراك والحبائل؛ فانظر إلى هذا الدويبة الضعيفة كيف جعل في طبعه ما لا يبلغه الإنسان إلاّ بالحيلة واستعمال الآلات فيها، ولا تزري بالشيء عندك أن تكون العبرة فيه بالذرة والنملة وما أشبه ذلك فإن المعنى النفيس قد يتمثل بالمثل الحقير ولا يقصر به بذلك كما لا يقصر بالدينار وهو من ذهب أن يوزن بمثقال من الحجر والحديد
انظر: الدلائل والاعتبار (٣٥).

<<  <   >  >>