للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يجمعها، ومنها ما يعصرها، ومنها ما يلقح الأشجار (١)، ومنها ما يربي الزرع والثمار ومنها ما يجففها، ثم لينظر إلى الأرض وجعلها قرارا لتكون فراشا ومهادا ثم إلى سعة أكنافها وبعد أقطارها حتى عجز الآدميون عن بلوغ جميع جوانبها: ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ﴾ [الذاريات: ٤٨]، ثم إلى جعل ظهرها محلاّ للأحياء، وبطنها للأموات، فتراها وهي ميتة ﴿أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ﴾ [الحج: ٥]، وأظهرت أجناس المعادن وأنبتت أنواع النباتات وأخرجت أصناف الحيوان، ثم إلى إحكام أطرافها بالجبال الشامخات كأوتاد لها يمنعونها من أن تميد، ثم إلى إيداع أوشال المياه في خزانات ليخرج منها قليلا قليلا؛ فتنفجر منها العيون وتجري منها الأنهار دائما.

ثم لينظر إلى البحار العميقة التي هي خلجان من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض، حتى إن جميع المكشوف من البوادي والجبال بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم وبقية الأرض مستورة بالماء.

ثم إلى ما فيها من الحيوان والجواهر، وما من صنف من أصناف حيوان البر إلا وفي البحر أمثاله وأضعافه، وفيها أجناس لا يعهد لها نظير في البر.

ثم لينظر إلى خلق اللؤلؤ في صدفه تحت الماء ثم إلى إنبات المرجان في صميم الصخر تحت الماء وهو نبات على هيئة شجر ينبت من الحجر.

ثم إلى ما عداه من العنبر وإلى أصناف النفائس التي يقذفها البحر ويستخرج منه.

ثم إلى السفن كيف سيرت في البحار وسرعة جريها وإلى إيجاد الأنهار ومعرفة النواتي (٢) وموارد الرياح ومهابها وسواقيها.

وعجائب البحار كثيرة لا مطمع في إحصائها، وقد قيل: حدث عن البحر ولا حرج، وفيما ذكرناه كافية.

ثم لينظر إلى أنواع المعادن المودوعة تحت الجبال: فمنها ما ينطبع كالذهب والفضة، والنحاس والحديد والرصاص، ومنها ما لا ينطبع كالفيروز والياقوت والزبرجد.


(١) قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ﴾ [الحجر: ٢٢].
(٢) النواتي: أي: البروز، يقال: نتأ الشيء نتاء ونتوءا، أي: برز في مكانه من غير أن ينفصل.

<<  <   >  >>