(وأما قوس قزح)(١) فإنما يكون إذا حدثت في خلاف جهة الشمس أجزاء مائية شفافة صافية من نزول مطر وبخار، وكانت الشمس مكسوفة قريبة من الأفق المقابل، ووراء تلك الأجزاء جسم كثيف مثل جبل أو سحاب مظلم، وإذا استدبر الناظر الشمس ونظر إلى تلك الأجزاء صارت الشمس في خلاف جهة الناظر، فانعكس شعاع البصر من تلك الأجزاء إلى الشمس؛ لكونها صقيلة، فأدت ضوء الشمس دون الشكل؛ لكونها أجزاء صغيرة، فكل واحد يؤدي ضوء الشمس دون شكلها كما بينا.
وسبب استدارة القوس وقوع الأشياء مستديرة بحيث لو جعلنا مركز جسم الشمس قطب دائرة على محيط فلكها؛ لكانت تلك الأجزاء مسامتة لتلك الدائرة، وتختلف ألوان القوس بحسب تركب لون المرآة ولون الشمس كما بينا، فترى قسيا مختلفة الألوان بعضها أحمر وبعضها أخضر وبعضها أرجواني، وأغلب الأوقات لونها مركب من ثمانية، وقد ترى في بعض الأوقات فيها أصفر أيضا.
فلو لم يكن وراء الأجزاء الثقيلة التي حدثت بعد المطر أو البخار جسم كثيف لا يظهر قوس قزح؛ لأن الأجزاء الشفافة ينفذ شعاع البصر فيها ولا ينعكس كالبلور إذا جعلته في مقابلة الشمس من غير أن يكون وراءه جسم كثيف ينعكس عنه شعاع البصر.
قال بعضهم: سبب اختلاف ألوانها قربها من الشمس وبعدها، فما يرى منها أحمر فإنه أقرب إلى الشمس، وما يرى أصفر فإنه أبعد من الأحمر، وما يرى أرجوانيّا فبعيد عن الشمس ومخالط للظلمة، وما يرى كميتا فمركب من الصفرة والأرجواني والبنفسجي.
وحكى الشيخ الرئيس أنه كان على الجبل الذي بين باورد وطوس، وأنه أعلى الجبال، وكانت السماء مكشوفة، فقال: كنت في وسط الجبل، بيني وبين الأرض سحاب رطب، والشمس في وسط السماء، فنظرت إلى السحاب الذي كان بيني وبين الأرض فرأيت دائرة نقية بلون قوس قزح، فشرعت في النزول عن الجبل والدائرة تصغر، فكلما نزلت رأيتها أصغر مما كانت قبل ذلك إلى أن وصلت إلى السحاب فاضمحلت.
(١) ويظهر هذا القوس في سماء مصر في فصل الشتاء، وهو عبارة عن قوس يقسم السماء نصفين مكون من سبعة ألوان رئيسة، وهي ألوان الطيف.