[تقسيم سماع الله إلى قسمين خاص وعام]
سماع الله سماع عام وسماع خاص، فأما السماع العام: فهو يعم كل المخلوقات، فقد أحاط الله بكل شيء سمعاً، كما قالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (سبحان الذي وسع سمعه كل الأصوات) فكل الأصوات من حيوانات برية أو بحرية، ومن مخلوقات في السموات أو في الأرضين، من جن أو إنس أو ملك فإن الله يسمع كل هذه الأصوات، سمعاً عاماً وسمع إحاطة.
فهو يسمع الكافرين ويسمع المؤمنين، وهذا السمع يستلزم التهديد الأكيد والوعيد الشديد، فقد هدد الله الكافرين بهذه الصفة العظيمة الجليلة، لكن لا يعي ذلك إلا من نور الله بصيرته، فإن أهل الكفر والإلحاد إذا اعتقدوا هذا الاعتقاد ما افتروا على الله جل وعلا وعلى محارمه، وانظروا كيف سبوا الله جل وعلا وأمهلهم، لكنه هددهم بهذه الصفة العظيمة، قال الله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:١٨١] فهذه الآية فيها تهديد شديد ووعيد أكيد لأهل الكفر الذين يسبون الله جل وعلا، ولا يغرنكم صبر الله جل وعلا عليهم أبداً، فإن الله جل وعلا هددهم وتوعدهم بهذه الصفة.
قال تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران:١٨١] فهذا تهديد يبين أن الله جل وعلا يسمع ما يقولون من سب له جل وعلا، وانتقاص من قدره، وأن ذلك لا يضيع، بل هو مكتوب، وقد سمعه الله جل وعلا وسيجازيهم عليه.
وأما التهديد لأهل النفاق الذين هم أشد من أهل الكفر، فقد هددهم الله بقوله سبحانه: {أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} [الزخرف:٨٠] وقال: (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} [النساء:١٠٨] فهم يحسبون أن الله جل وعلا لا يسمع ما يبيتون، والله يكتب ما يبيتون ويسمع ما يبيتون، والله جل وعلا إذ يسمع مكر الماكرين ونفاق المنافقين فإنه يجازيهم على ذلك، فهذا هو الاعتقاد الصحيح أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن الله لا يخفى على سمعه شيء.
السمع الثاني: سمع خاص، وهو خاص بالمؤمنين المتقين الصالحين، وقد يدخل الكافرون معهم لأمر ما، وهذا السمع يستلزم سماع الدعاء والإجابة، كما قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:١٨٦] أي: يستلزم سماع الله جل وعلا لدعاء المرء أنه يسارع في إجابته، ويسارع فيما ينفعه، فقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} [الصافات:٧٥] أي: سمع الله نداءه، فما من مؤمن يدعو الله تعالى بصوت خافت أو يستغيث به إلا وسمعه الله جل وعلا سمع إجابة وسارع له في تفريج الكربات، فهذا السمع الذي هو خاص بالمؤمنين هو سماع إجابه لتفريج الكربات، ورفعة الدرجات، وغفران للزلات.
وهذا يونس عليه السلام لما كان في الظلمات ونادى كما قال تعالى: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء:٨٧] أي: نادى بصوت إما عالٍ وإما منخفض، ففي الحالتين لا يخفى الصوت على الله جل وعلا، فلما نادى سمعه الله جل وعلا، فاستجاب له وأنقذه من هذه المهالك وهذه الظلمات.
وهذا السمع سمع تفريج للكربات، وأيضاً إجابة للدعوات، فقد سمع الله جل وعلا دعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: (اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد بعد اليوم، اللهم أنجز وعدك الذي وعدت، اللهم نصرك الذي وعدت) فاستجاب الله له بعدما سمعه وهو يدعو ويستغيث به جل وعلا.
ومن السمع الخاص: استجابة فوق هذه الاستجابة، وهي استجابة مدح وثناء، وهذه الاستجابة هي استجابة المناجاة، فهذه والله أعلم يدخل فيها الصالحون المتقون المخلصون، وهذه المناجاة يرفع الله بها العبد فيثني عليه في الملأ الأعلى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سمع الله لمن حمده)، فالذي يحمد الله يجازيه الله بجنس العمل، فهو يسمع الله خيراً فيثني الله جل وعلا عليه خيراً في الملأ الأعلى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه)، وهذا الملأ هو ملأ الملائكة، فهذا هو سمع المناجاة الذي يستلزم الثناء والمدح من الله جل وعلا.
وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر عن قيامه بالليل فقال: (لم تخفض صوتك؟ قال: إني أسمع من أناجي) فإن كان لا يسمع أحداً فإن الذي يناجيه يسمع، وهو الذي يضع الناس في مكاناتهم لسماعه جل وعلا.
ومن سمع الله الخاص: سماع التسديد والنصرة والتوفيق، وهذا السماع أيضاً يفهم من قول الله تعالى لموسى: {قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ} [الشعراء:١٥] يعني: ما يدبر لكم فرعون وملؤه وما يقولون، فنحن معكم ننجيكم من عذاب فرعون.
وأيضاً قال الله تعالى: {قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:٤٦]، وقد أشبعنا القول في هذا الباب في باب الرؤية.
إذاً: فالسماع الخاص هو سماع تسديد وتوفيق ونصرة، وهو سماع استجابة للدعوات وتفريج للكربات، وسماع يستلزم الثناء والمدح في الملأ الأعلى.