للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشفاعة العامة]

الشفاعة العامة هي التي يشترك فيها رسول الله، والأنبياء والمؤمنون والملائكة، وهي أنواع: أولها: الشفاعة لأهل الجنة أن يرفع الله لهم درجاتهم، فلو كان أحدهم في درجة أقل شفع له النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون في الفردوس الأعلى مثلاً، اللهم اجعلنا جميعاً مع النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى.

ودليل ذلك إشارة من الكتاب وتصريح من السنة، أما الإشارة من الكتاب فقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} [الطور:٢١] أي: إذا كان الأب في درجة عليا والابن في درجة دنيا، فإن الأب يشفع لابنه، فالله جل وعلا يقبل الشفاعة من الأب للابن، فيرفعه إلى منزلة الأب، والعكس صحيح، إذا كان الابن في درجة عالية والأب في درجة أقل، فيشفع الابن للأب، فالله جل وعلا يرفعه إلى درجة ابنه، وفي هذا إشارة إلى أنه إذا كانت هذه الشفاعة للمؤمنين فللأنبياء أولى وأحرى.

أما التصريح من السنة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عندما مات أبو سلمة: (اللهم اغفر لـ أبي سلمة وارفع درجته في المهديين).

إذاً: النبي صلى الله عليه وسلم يشفع في رفعة الدرجات، وهذا فيه دلالة على أن الأنبياء والمرسلين يشفعون لرفع الدرجات.

الثانية: الشفاعة في دخول من استحق النار الجنةَ حتى لا يعذب، وهؤلاء هم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، لكن السيئات غلبت على الحسنات فاستحقوا النار، فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم ويأتي المؤمنون فيشفعون فيهم، فيشفعهم الله في هؤلاء فيدخلهم الجنة ولا يدخلون النار، والدليل على ذلك: أهل الأعراف، فهم لا يدخلون النار، وقد وصفهم الله جل وعلا وصفاً بديعاً فقال: {وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:٤٦ - ٤٧].

وهذا حديث ظاهر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما من رجل يموت فيصلي عليه أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً إلا شفعهم الله فيه).

يعني: هذا الذي مات هو ممن يستحق النار، فيأتي أربعون رجلاً من أهل التوحيد الخلص فيصلون عليه فيشفعون فيه فيشفعهم الله فيه، ووجه الدلالة: العموم الذي في قوله: ما من رجل، فمن كان ولياً لميت فليتحر أهل السنة وأهل التوحيد للصلاة عليه، حتى لو تأخر دفنه؛ صحيح أن من السنة إكرام الميت والمسارعة في دفنه، لكن لولي الميت أن يؤخر ذلك للمصلحة، والمصلحة الأكبر أن يبحث عن أهل الدين والتقوى وأهل السنة والتوحيد الخالص حتى يصلوا عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أنه إذا صلى عليه أربعون رجلاً فالله جل وعلا يشفعهم فيه ويقبل دعاءهم، فيدخله الله الجنة ولو كان مستحقاً للنار.

إذاً: هذه الشفاعة الثانية التي يشترك فيها والملائكة والأنبياء والمؤمنون.

الثالثة: الشفاعة لأهل الأعراف بدخول الجنة: فالله جل وعلا يشفع الأنبياء والمرسلين والمؤمنين فيهم، وذلك عندما يقول المؤمنون: (ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويحجون معنا ويزكون معنا، وهم في النار فيتفضل الله بفضله ومحض نعمته سبحانه جل في علاه فيأمرهم أن يذهبوا ويخرجوا من يعرفون من إخوانهم من النار ممن كان في قلبه مثقال شعيرة، أو ذرة من خير إلى أن يتناقص حتى يصلوا إلى من لم يعمل خيراً قط) فهذه لا تكون إلا لله جل في علاه.

فالمؤمنون يخرجون إخوانهم، والملائكة يخرجون من يعرفون بأثر السجود.

<<  <  ج: ص:  >  >>